للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

استدرك ابنُ عباس في هذه الآية قولًا مُطلَقًا ونفاه، وهو: أن هذه الآية منسوخة. وقد ذكر المفسرون مأخذَ من ذهب إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦]، وهو: أنه لَمَّا نزلت ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران ١٠٢] شَقَّ ذلك على المسلمين؛ فأنزل الله بعدها ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦] (١). وبيان ذلك أن حقَّ التقوى على عموم لفظها في الآية هو: غايتها، فلا يقع في شيء من الإخلال بها، وهذا يعجز كُلُّ الناس عن الوفاء به، فأنزل الله التخفيفَ والأمرَ بالمُستطاع من ذلك. (٢)

ثُمَّ ردَّ ابنُ عباس القولَ بالنسخ في الآية، وأبان عن معناها فقال: (أن يجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط، ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم)، وهو ما أَمَرَ الله به في غيرما آية من كتابه، وعلى لسان رسول الله ، وهو مُستَطاع من العبد وفي طاقته ووُسعِه؛ إذ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، ومن ثَمَّ فالآيات مُتَّفِقات، ومعناها: اتقوا الله حَقَّ تُقاتِه فيما استطعتم؛ وذلك أنَّ ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران ١٠٢] هو بحسب أوامره ونواهيه، وقد جعل الله تعالى الدين يُسرًا لا حَرَجَ فيه. (٣)


(١) ينظر: أحكام القرآن، لإسماعيل بن إسحاق (ص: ٢٢٦)، وجامع البيان ٤/ ٤١، وبحر العلوم ١/ ٢٨٨.
(٢) ينظر: الجامع لعلم القرآن (مخطوط، ص: ٣٥)، والمحرر الوجيز ١/ ٤٨٢، وزاد المسير (ص: ٢١٤).
(٣) ينظر: تفسير السمعاني ١/ ٣٤٥، والمحرر الوجيز ١/ ٤٨٣، والجامع لأحكام القرآن ٤/ ١٠٢.

<<  <   >  >>