للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ومن مسائل هذا الاستدراك]

ملاحظة أن أكثر طريقة السلف في التفسير: التفسير على المعنى (١)، ومنه التفسير بالمثال، وباللازم، كما هو تفسير ابن مسعود هنا، قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨): (فإن منهم- أي: مُفَسِّري السلف- من يُعَبرُ عن الشيء بلازِمِه ونظيره، ومنهم من يَنُصُّ على الشيءِ بِعينه) (٢)، وقال ابن القيم (ت: ٧٥١): (السَّلَف كثيرًا ما يُنَبِّهون على لازم معنى الآية، فيظُنُّ الظانُّ أن ذلك هو المُراد منها) (٣)، واعتناء السلف في التفسير بهذه الطريقة، وإكثارهم منها، له أسبابه ودواعيه، ومنها:

أولًا: مناسبة الزمان والمكان، ففي عصرهم لم يكن يخفى على مجموعهم معاني ألفاظ القرآن، أو أساليبه في البيان، فهم أهل اللسان الذي نزل به.

ثانيًا: مناسبة المقام، فالمناسب في مقام السؤال، غير ما يناسب في مقام العرض والبيان، فربما اقتصروا من البيان على سؤال السائل، أو ما يعلمه، أو ما كان مشهورًا في زمنه (٤)، قال الشاطبي (ت: ٧٩٠) في تفسير سعد بن أبي وقاص لقوله تعالى ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، بأنهم الحرورية: (وإنما فَسَّرها سعد بالحرورية؛ لأنه إنما سُئِلَ عنهم على الخصوص، لأنهم أوّل من ابتدع في دين الله، فلا يقتضي ذلك تخصيصًا) (٥)، وقال أيضًا: (كما قاله القاضي إسماعيل في قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام ١٥٩]، بعدما حكى أنها نزلت في الخوارج. وكأن القائل بالتخصيص- والله أعلم- لم يَقُلْ به بالقصد الأول،


(١) هو: بيان المُراد بالآية، ولو بغير اللفظ المطابق، دون النظر إلى تحرير ألفاظها لُغَةً. ينظر: الاستدلال في التفسير (ص: ٨٥).
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٦٩. وينظر منه: ١٣/ ٣٣٥.
(٣) إعلام الموقعين ٢/ ٢٩٣. وينظر: إعلام الموقعين ٢/ ٢٨٤، والصواعق المُرسلة ٢/ ٦٩٩.
(٤) ينظر: البرهان في علوم القرآن ٢/ ١٧٦.
(٥) الاعتصام (ص: ٤٩).

<<  <   >  >>