للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذا اعتمد نظائر هذا المعنى في غيرما آية كما سبق، ومن أظهر نظائره قوله تعالى ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشعراء ١٥٣ - ١٥٤]، فالسياق ظاهر في أن مرادهم بالمُسَحَّر- أي: المسحور-: المخلوق، وهو المروي عن ابن عباس . (١)

ورَدَّ ابنُ قتيبة (ت: ٢٧٦) هذا القول، ووصفه بالقول المُستَكرَه، وفسَّر المسحور في الآية: بالمخدوع. واعتمد في ذلك وروده عن السلف قبله، كما حكاه عن مجاهد (ت: ١٠٤)؛ وذلك أنهم أعلم بالتفسير، وأيده بمجيئه في القرآن الكريم بهذا المعنى في عدد من الآيات منها ما ذكر، ومن أظهر نظائرها قوله تعالى عن فرعون ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا﴾ [الإسراء ١٠١]، إذ لا يصح أن يُراد به إنسانًا ذا رئة، وإنما أراد: مخدوعًا، كما ذكر ابن قتيبة (ت: ٢٧٦). ودَلَّلَ على هذا المعنى بصحته لُغةً، واستشهد عليه بالبيتين السابقين، وبانتشاره بهذا المعنى على ألسنة الناس، وبدلالة السياق بعده صراحة عليه.

* الحكم على الاستدراك:

أصلُ كلمة "سَحَر" في اللغة يدل على: الخديعة. كما يدل على: عضو من الأعضاء (٢). فكلاهُما معنىً صحيح لهذه اللفظة، ولِكِلا المعنيين نظائر في كتاب الله تعالى تشهد له كما سبق، وقد قال ابن جرير (ت: ٣١٠) عن قول أبي عبيدة (ت: ٢١٠) هذا أنه: (غير بعيد من الصواب) (٣).

غير أن قول ابن قتيبة (ت: ٢٧٦) يترجح من ثلاث جهات ذكرها في استدراكه، وهي:


(١) جامع البيان ١٩/ ١٢٥ (٢٠٣٢٠)، من طريق أبي صالح.
(٢) ينظر: تهذيب اللغة ٤/ ١٦٩، وجمهرة اللغة ١/ ٥١١، والزاهر، لابن الأنباري ١/ ٢٠٦، ومقاييس اللغة ١/ ٥٨٩.
(٣) جامع البيان ١٥/ ١٢١.

<<  <   >  >>