للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

لَمَّا اختصم هذان الرجلان إلى طاوس (ت: ١٠٦) فأكثَرَا، نهاهُمَا عمَّا هُمْ فيه من اختلافٌ مذمومٌ، فقال أحدهما مُسَوِّغًا ذاك الاختلاف: (لذلك خُلِقنا)، واستدل على قوله هذا بقوله تعالى ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود ١١٨ - ١١٩]، فذهب الرجلُ إلى أن الضمير في ﴿وَلِذَلِكَ﴾ [هود ١١٩] عائدٌ على الاختلاف السابق ذكره، واللاَّمُ فيه للتعليل، أي: خَلَقَهُم ليَختَلِفُوا. واللفظ يحتمله.

وأنكر طاووس (ت: ١٠٦) هذا الاستدلال، ورَدَّ المعنى الذي ذكره الرجل، وبَيَّنَ أن الضمير في قوله ﴿وَلِذَلِكَ﴾ [هود ١١٩] عائِدٌ على الرحمة المذكورة في قوله ﴿إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود ١١٩]، وهي للضمير أقربُ مذكور، ومن ثَمَّ يبطُلُ الاستدلال بالآية على تسويغ ما فيه هذان الرجلان من اختلاف؛ لأن أهل الرحمة لا يختلفون اختلافًا يفترقون به ويتباغضون، كما هو ظاهرُ حالِ هذين الرجلين، ويؤكد أن اختلافهما من الاختلاف المذموم ذكرُ طاووس (ت: ١٠٦) للجماعة في رده على الرجل بقوله: (إنما خلقهم للرحمة والجماعة)، أي: لا لِمَا أنتُمَا فيه من فرقة وخِصَام.

* الحكم على الاستدراك:

استدلال الرجل بالآية على خلافه وتفَرُّقِه مع صاحبه مردودٌ غيرُ صحيح؛ لأن الله تعالى ذكر في الآية دوامَ اختلاف الخلق، ثم استثنى منهم أهل الرحمة، فقال تعالى ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ﴾ [هود ١١٨ - ١١٩]، فأهل الرحمة لا يختلفون، وإن اختلفوا فليس اختلافهم من جنس اختلاف الخلق في أديانهم وتباغضهم وتفرقهم، فإن اختلافهم رحمةٌ لا تباغُضَ فيه، واجتماعٌ لا فُرقَةَ فيه، فهُم أعلَمُ الخلق بالحَقِّ، وأرحمهم للخلق، قال الحسن (ت: ١١٠): (أهل رحمة الله لا يختلفون اختلافًا يضرُّهم) (١)، وقال قتادة


(١) جامع البيان ١٢/ ١٨٦ (١٤٤٠٧).

<<  <   >  >>