للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ت: ١١٧): (أهلُ رحمة الله أهلُ الجماعة، وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم، وأهلُ معصيته أهلُ فرقةٍ، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم) (١). فهذا الاختلاف المذموم غير داخل في معنى الآية على جميع الأقوال الآتية، واللام التي جعلها للتعليل ليست كما ذهب إليه، وسيأتي بيان معناها في القول الثاني في الآية.

وقد اختلفت أقوال المفسرين في تعيين مُفَسّر الضمير في الآية على قولين:

الأول: أن المُراد بقوله ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود ١١٩]: الرحمة التي هي أقرب مذكور، أي: ولرحمته خلق الذين لا يختلفون في دينهم. وهو قول ابن عباس (٢)، ومجاهد (ت: ١٠٤)، وعكرمة (ت: ١٠٥)، والضحاك (ت: ١٠٥)، وطاووس (ت: ١٠٦)، وقتادة (ت: ١١٧)، ومقاتل (ت: ١٥٠)، والثوري (ت: ١٦١) (٣)، واختاره الحداد (ت: ٨٠٠) (٤). وإنما لم يُؤنث في الإشارة إلى الرحمة؛ لأنها مصدر، أي: خلقهم ليرحمهم. ولأن تأنيث الرحمة ليس حقيقيًا، ومثله قوله تعالى ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف ٥٦]. (٥)

الثاني: أن المُراد: خلقهم ليختلفوا فريقين، فريقًا يَرْحمُ فلا يختلف، وفريقًا لا يَرْحَمُ يختلف. فتكون الإشارة بقوله ﴿وَلِذَلِكَ﴾ [هود ١١٩] للأمرين: الاختلاف والرحمة، قال


(١) تفسير ابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٩٤ (١١٢٩٠)، وينظر: مجموع الفتاوى ٢٢/ ٣٥٩، و ٢٤/ ١٧٢.
(٢) من طريقي: عكرمة، والضحاك. ينظر: جامع البيان ١٢/ ١٨٧، وتفسير ابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٩٥.
(٣) ينظر: تفسير مقاتل ٢/ ١٣٥، وتفسير الثوري (ص: ١٣٦)، وجامع البيان ١٢/ ١٨٧، وتفسير ابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٩٥، وزاد المسير (ص: ٦٧٧)، وتفسير ابن كثير ٤/ ١٨٢٠.
(٤) في تفسيره ٣/ ٥٠٦. وهو اختيار جمهور المعتزلة، كما شرحه الشريف المُرتضى في أماليه ١/ ٧٠، وذكره الزمخشري في الكشاف ٢/ ٤٢٢، وذلك منهم فِرارًا من القول بأنه تعالى خلقهم للاختلاف؛ لمُخَالَفته لأصلهم في باب العدل والقدر. ينظر: نكت القرآن ١/ ٦٠٧، وأحكام القرآن، لابن العربي ٣/ ٢٧، والمحرر الوجيز ٣/ ٢١٥، والتفسير الكبير ١٨/ ٦٣، والبحر المحيط ٥/ ٢٧٣.
(٥) ينظر: أمالي المرتضى ١/ ٧١، والكشف والبيان ٥/ ١٩٤، ووَضَح البرهان ١/ ٤٤٧، والتفسير الكبير ١٨٦٣.

<<  <   >  >>