للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ [البقرة ٢٠٥]، ثم أعقب ذلك بقوله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ﴾ [البقرة ٢٠٦]، فهاهنا مُفسِدٌ في الأرض، وهاهنا من ينهاه عن إفساده، فيعتَزُّ ذاك بإثمه، وهذا مُعتَزُّ بربه، فيقتتلان، فكانت بذلك أظهر ما تكون في الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر.

* الحكم على الاستدراك:

ما ذكره ابن عباس في تفسير هذه الآية هو أظهر معانيها، ولذلك أُعجب به عمر ، وفسَّرَها به وهو كذلك تفسير علي ، كما سبق في ذكر شواهد الرواية، والسياق أقرب ما يَدُلُّ عليه، قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (والذي هو أولى بظاهر هذه الآية من التأويل، ما رُوي عن عمر بن الخطاب، وعن علي بن أبي طالب وابن عباس ، من أن يكون عَنى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وذلك أن الله جلَّ ثناؤُه وصف صفة فريقين: أحدهما منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه، وإذا اقتدر على معصية الله ركبها، وإذا لم يقتدر رامها، وإذا نُهِيَ أخذته العزَّة بالإثم بما هو آثم به، والآخر منهما بائع نفسه، طالب من الله رضا الله، فكان الظاهر من التأويل أن الفريق الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه؛ إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر؛ طلبَ رضا الله. فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية) (١).

ولكن في لفظ الآية، وفي سبب نزولها، ما يجعل التفسير السابق أحد المعاني الصحيحة الداخلة في الآية، وليس هو كُلُّ المعنى، فإن لفظ الآية عام، يشمل (كلَّ مُبطِن كفرٍ، أو نفاق، أو كذب، أو إضرار، وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك) (٢)، وهو قول (قتادة ومجاهد وجماعة من العلماء) (٣)، وورد في سبب نزولها أقوال:


(١) جامع البيان ٢/ ٤٣٨.
(٢) المحرر الوجيز ١/ ٢٧٩.
(٣) المرجع السابق.

<<  <   >  >>