للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الحكم على الاستدراك:

استدلَّ الضحاك (ت: ١٠٥) بِهذه الآية على أن للجن رُسُلًا كالإنس، وهو قول مقاتل (ت: ١٥٠)، وأبي سليمان الدمشقي (١)، وابن حزم (ت: ٤٥٦)، واستظهره ابن الجوزي (ت: ٥٩٧)، وأبو حيَّان (ت: ٧٤٥) (٢)، وهو وإن كان الظاهر من اللفظ إلا أنه محتمل غير صريح، وذلك أن من عادة العرب في كلامها أن تَنسِبَ الفعل لِمَذكورَيْن وهو واقِعٌ من أحَدِهِما (٣)، ومن شواهده الكثيرة في كتاب الله قوله تعالى ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف ٦١]، مع أن الناسي هو فتى موسى، فقد قال تعالى عنه ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ [الكهف ٦٣]، وقوله تعالى ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن ١٩ - ٢٠]، ثم قال ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن ٢٢]، واللؤلؤ والمرجان إنما يخرجان من الماء الملح لا العذب، ومثله قوله تعالى ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر ١٢] (٤)، وقال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَوْا


(١) محمد بن عبد الله بن سليمان السَّعدي، أبو سليمان الدمشقي الشافعي، مُفَسِّر، صنف مجتبى التفسير، والمهذب في التفسير، عاش في القرن الرابع. ينظر: تاريخ دمشق ٥٣/ ٣٤٩، وطبقات المفسرين، للسيوطي (ص: ٨٩).
(٢) ينظر: تفسير مقاتل ١/ ٣٧٠، وجامع البيان ٨/ ٤٨، وزاد المسير (ص: ٤٦٨)، والبحر المحيط ٤/ ٢٢٥، وفتح الباري ٦/ ٣٩٧.
(٣) ينظر: معاني القرآن، للفراء ١/ ٣٥٤، وتأويل مشكل القرآن (ص: ١٧٥)، وجامع البيان ٨/ ٤٨، ومعاني القرآن وإعرابه ٢/ ٢٩٢، ومعاني القرآن، للنحاس ٢/ ٤٩٢، والإنصاف، للبَطليَوسي (ص: ٤٩)، والمحرر الوجيز ٢/ ٣٤٦.
(٤) تتابع أكثرُ اللغويين والمفسرين على الاستشهاد بهذه الآية على هذا الأسلوب، قال السمعاني (ت: ٤٨٩): (وأجمعَ أهلُ العلم بهذا الشأن أنه يخرج من الملح دون العذب). تفسيره ٥/ ٣٢٧، وينظر: الزاهر، لابن الأنباري ٢/ ٣٦١. واعترض عليه بعضهم من حيث المعنى، فقال: إن اللؤلؤ والمرجان يخرج من كلا البحرين الملح والعذب، واستدلوا بقوله تعالى ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر ١٢]. ينظر: الإشارات الإلهية ٢/ ١٩٥، وأضواء البيان ٢/ ١٦٠.

<<  <   >  >>