للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورجح العموم في الآية ابنُ جرير (ت: ٣١٠)، وقال: (فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله ﷿ وصف شاريا نفسه ابتغاء مرضاته، فكلُّ من باع نفسه في طاعته حتى قتل فيها، أو استُقتِل وإن لم يقتل، فَمَعْنِيّ بقوله ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة ٢٠٧] في جهاد عدو المسلمين كان ذلك منه، أو في أمر بمعروف، أو نهي عن منكر). (١)

واختاره السمرقندي (ت: ٣٧٥)، وابن العربي (ت: ٥٤٣)، وابن عطية (ت: ٥٤٦)، والرازي (ت: ٦٠٤) (٢)، وأبو حيَّان (ت: ٧٤٥) وقال: (والذي ينبغي أن يُقال: إنه تعالى لمَّا ذكر ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ [البقرة ٢٠٤]، وكان عامًّا في المنافق الذي يبدي خلاف ما أضمر، ناسب أن يذكر قسيمه عامًّا؛ من يبذل نفسه في طاعة الله تعالى من أيّ صعب كان، فكذلك المنافق مُدارٍ عن نفسه بالكذب والرياء وحلاوة المنطق، وهذا باذل نفسه لله ولمرضاته، وتندرج تلك الأقاويل التي في الآيتين تحت عموم هاتين الآيتين، ويكون ذكر ما ذُكِر من تعيين من عَيَّن، إنما هو على نحوٍ من ضرب المثال، ولا يبعُد أن يكون السبب خاصًّا، والمُراد عموم اللفظ) (٣).

ويستفاد من هذا الاستدراك: أن السياق لا ينهض بتخصيص معنى الآية ما لم يكن صريحًا في ذلك، كما سبق في تفسير ابن عباس للآية، وشأنه في ذلك شأن سبب النُّزول؛ إذ العبرة فيه بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.

* * *


(١) جامع البيان ٢/ ٤٣٩.
(٢) ينظر: بحر العلوم ١/ ١٩٧، وأحكام القرآن ١/ ١٩٢، والمحرر الوجيز ١/ ٢٨١، والتفسير الكبير ٥/ ١٧٥.
(٣) البحر المحيط ٢/ ١٢٧، وينظر كذلك للمناسبة بين الآيات: التفسير الكبير ٥/ ١٧٣.

<<  <   >  >>