للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الحكم على الاستدراك:

لم يُنكر رسولُ الله على عمر أخذَه بمنطوق الآية، واعتباره بمفهومها، كما لم يُنكِره عمرُ على يعلى بن أُميَّة ، فهو سبيل صحيح في فهم النصوص وإعمالها. وذهابُهُما إلى أن المُراد بالقصر هنا قصر الركعات صحيح كذلك؛ لإقرار النبي ذلك الفهم من عمر ، ونسبه الرازي (ت: ٦٠٤) للجمهور (١)، واستدلَّ على صِحَّته بأمور، منها:

أولًا: فهم الصحابيّ له.

ثانيًا: أنَّ لفظ القصر كان مخصوصًا في عُرف الصحابة بنقص عدد الركعات؛ ولهذا المعنى لَمَّا صلى النبي الظهر ركعتين قال ذو اليدين: (أقَصُرَت الصلاة؟ أم نسيت؟) (٢).

ثالثًا: أنَّ (مِنْ) في قوله ﴿مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء ١٠١] للتبعيض، وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصلاة، وهو أولى من تفسيره بالإيماء والإشارة.

رابعًا: أنَّ القصر بمعنى: تَغيُّر الصلاة، مذكور في الآية التي بعد هذه الآية، فوجب أن يكون المراد من هذه الآية بيان القصر بمعنى حذف الركعات، لئلاّ يلزم التكرار. (٣)

ولا مانع من حمل الآية على نوعي القصر المُباحة شرعًا: قصر الركعات، وقصر الهيئات، كُلٌّ منهما بشرطه، وفي الحديث توسعةٌ تشمل كِلا المعنيين: (صدقةٌ تَصَدَّقَ الله بِهَا عليكم، فاقبلوا صَدَقَتَه)، قال القرطبي (ت: ٦٥٦): (وقوله ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء ١٠١] يعني به القصرَ من عدد الركعات، والقصر بتغيير الهيئات، بدليل قوله


(١) التفسير الكبير ١١/ ١٤، وكذا القاسمي في محاسن التأويل ٢/ ٤٥٥.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٢/ ٢٤٠ (٧١٤)، ومسلم في صحيحه ٢/ ٢٢٥ (٥٧٣).
(٣) التفسير الكبير ١١/ ١٥.

<<  <   >  >>