للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعُلِمَ أن التوبة مشروعة عقيب الأعمال الصالحة، فأمر رسوله بالاستغفار عقيب توفيته ما عليه من تبليغ الرسالة والجهاد في سبيله حين دخل الناس في دين الله أفواجًا، فكأنَّ التبليغ عبادة قد أكملها وأدَّاها، فشُرِعَ له الاستغفار عقيبها) (١)، وقال أيضًا: (ويدل عليه أيضًا قوله ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ [النصر ٣] وهو كان يُسَبِّح بحمده دائمًا، فعُلِمَ أنَّ المأمور به من ذلك التسبيح بعد الفتح ودخول الناس في هذا الدين أمرٌ أكبَر من ذلك المُتَقَدِّم، وذلك مُقَدِّمةٌ بين يدي انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وأنه قد بقيت عليه من عبودية التسبيح والاستغفار التي تُرَقِّيه إلى ذلك المقام بقيَّةٌ، فأُمِرَ بتَوْفِيَتِها) (٢). وممَّا أكَّدَ المعنى عند ابن عباس اجتهادُ رسول الله بعد نزول هذه السورة كأشَدِّ ما يكون اجتهادًا في أمرِ الآخرة (٣)، وكذلك كونها آخر سورة نزلت جميعًا من القرآن (٤).

* الحكم على الاستدراك:

ما فهمه الصحابة من جلساء عمر من الآية هو ظاهرها، وهو المعنى الصحيح، سواء أُريد به الحمد والاستغفار باللسان، أو بالصلاة والدعاء، قال ابن كثير (ت: ٧٧٤): (فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر أجمعين، من أنه: قد أُمِرنا إذا فتح الله علينا المدائنَ والحصونَ أن نحمد اللهَ ونشكرَه ونسبحَه؛ يعني: نصلي له ونستغفره؛ معنى مليحٌ صحيحٌ، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي


(١) إعلام الموقعين ٣/ ١٢٦، وينظر: مدارج السالكين ١/ ٢٦٠، ٣٢٨، والصواعق المرسلة ٢/ ٥٠٧، وفتح الباري ٨/ ٦٠٦.
(٢) إعلام الموقعين ٣/ ١٢٤.
(٣) صَحَّ ذلك برواية ابن عباس في سنن النسائي الكبرى ٦/ ٥٢٥ (١١٧١٢).
(٤) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: (يا ابن عتبة: أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعًا؟ قلت نعم، ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾. قال: صدقت). أخرجه مسلم في صحيحه ٦/ ٤٤١ (٣٠٢٤). وينظر في بقية الأدلة على هذا الوجه من التأويل: التفسير الكبير ٣٢/ ١٥١.

<<  <   >  >>