للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يوم فتح مكة وقتَ الضُّحى ثماني ركعات، فقال قائلون: هي صلاة الضحى، وأُجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها، فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافرًا لم ينو الإقامة بمكة؟ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبًا من تسع عشرة يومًا يقصر الصلاة، ويفطر هو وجميع الجيش، وكانوا نحوًا من عشرة آلاف. قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح، قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات، وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن) (١).

وأمَّا قول ابن عباس فهو من أدقِّ الفهم وألطفه، مُنتَزَعٌ من لفظ الآية، ومُتَبَصِّرٌ بلوازمها، ولا يُدركه كلُّ أحد، قال ابن حجر (ت: ٨٥٢): (وفيه جواز تأويل القرآن بما يُفهَم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمُهُ في العلم؛ ولهذا قال علي : أو فَهمًا يؤتيه الله رجلًا في القرآن) (٢)، ولذا وافقه عليه عمر ، وهو ما تأوَّلَه رسول الله منها بفعله، فعن عائشة قالت: (ما صلى النبي صلاةً بعد أن نزلت عليه ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر ١]، إلا يقول فيها: «سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»، يتأَوَّلُ القرآن) (٣). كما تأوَّلها عدد من الصحابة بأنه حضور أجل رسول الله (٤)، قال ابن عطية (ت: ٥٤٦): (وهذا المنْزع الذي ذكره ابن عباس، ذكره ابن مسعود وأصحابه، ومجاهد وقتادة


(١) تفسير القرآن العظيم ٨/ ٣٨٨٥.
(٢) فتح الباري ٨/ ٦٠٨، وينظر: إعلام الموقعين ٣/ ١٢٤، والوابل الصيب (ص: ١٣٧)، والتيسير في قواعد علم التفسير (ص: ٢٢٢).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه ٨/ ٦٠٥ (٤٩٦٧)، ومسلم في صحيحه ٢/ ١٥٠ (٤٨٤). وينظر: التسهيل ٤/ ٤٣٠.
(٤) كأبي بكر، وعلي، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر . ينظر: فتح الباري ٨/ ٦٠٨، والدر المنثور ٨/ ٦٠١، ونقل الرازي اتفاق الصحابة على دلالة هذه السورة على نعي الرسول . التفسير الكبير ٣٢/ ١٥١.

<<  <   >  >>