للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبَيَّن ابنُ عمر أن المُراد ب"الرأفة" المنهي عنها في الآية؛ الحامِلَةُ على تعطيل الحد، وعدم إقامته، لا تجاوز الحَدِّ في الضرب، وترك التوسط فيه؛ فإنه غير مأمور به. ومُعتَمَدُه في هذا الفهم لفظ الآية؛ فإن فيها ﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور ٢]، أي: في حكم الله وأمره. كما في قوله تعالى ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ [يوسف ٧٦]، أي: حكمه. فالرأفةُ المنهي عنها في الآية: الرأفة في إقامة حكم الله، وهو الحَدُّ (١). ويُؤَيدُه في السياق كذلك تعقيب النهي بقوله تعالى ﴿إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النور ٢]، وهذا تهييجٌ كالوعيد في ترك الحدود (٢)، وقد اقترن تحقيق الإيمان والصدق فيه، بإقامة حكم الله وحدوده في كتاب الله كثيرًا، ومن ذلك قوله تعالى ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء ٥٩]، وقوله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء ٦٠]، إلى قوله ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء ٦٥]، وقوله ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور ٥١]. ومن السياق كذلك يُستفاد تقوية هذا القول؛ إذ الذي تقدم ذِكرُه: الأمر بنفس الجلد، ولم يذكر صفته، فما يعقبه يجب أن يكون راجعًا إليه. (٣)

* الحكم على الاستدراك:

ذهب إلى قول ابن عمر في الآية سعيدُ بن جبير (ت: ٩٥)، والنخعي (ت: ٩٦)، ومجاهد (ت: ١٠٤)، والشعبي (ت: ١٠٤)، وعكرمة (ت: ١٠٥)،


(١) ينظر: جامع البيان ١٨/ ٩٠.
(٢) ينظر: الوسيط ٣/ ٣٠٣، وأنوار التنْزيل ٢/ ٧١٢.
(٣) ينظر: التفسير الكبير ٢٣/ ١٣٠.

<<  <   >  >>