أسهرَت هذه الآيةُ ابنَ الزبير ﵁ حتى أصبح، وما أسهره فيها أحد أمرين: إمَّا استشكاله اجتماع الإيمان والشرك في المرء في وقت واحد، أو خوفه من أن يكون معنى الآية شامل لعموم الناس، من غير تخصيص لصنف معيَّن منهم، فخَشِيَ أن يقع فيما يقتضي دخوله في ذلك الوصف، فأسهره خوفه، كما هي عادة الصحابة ﵃ في مثل ذلك. والأقرب أنه ﵁ فهم من الآية العموم وأنه ربَّما اجتمع في الإنسان كفرٌ وإيمانٌ ولو كان من المسلمين، ويُؤَيد هذا جواب ابن عباس ﵁ على هذه القضية الثانية، وزوال إشكالها عن ابن الزبير بعد ذلك، ويُقَوِّيه عادةُ الصحابة ﵃ في الأخذ بالعموم واعتقاده، ثمَّ إن الاحتمال الأول ممَّا لا يكاد يخفى على أحد من الصحابة (١)، وهو مترَتِّبٌ على القول باشتمال هذه الآية على بعض المسلمين.
وجواب ابن عباس ﵁ في بيان معنى الآية معتمد على سياق الآية، وورود هذا المعنى في كتاب الله تعالى في غيرما موضع، فالحديث في هذه الآية مُتَّصل في وصف قوم ليسوا بمؤمنين، ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف ١٠٣]، فنفى الإيمان عن أكثر الناس، وهذا في حق الكافرين، ثم وصفهم بإعراضهم عن الآيات في السماوات والأرض، ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ
(١) وهو من أصول أهل السنة، قال ابن القيم: (فإنَّهم مُتَّفِقون- أي: أهل السنة- على أن الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعداوة من وجهين مختلفين، ويكون محبوبًا لله مبغوضًا له من وجهين أيضًا، بل يكون فيه إيمان ونفاق، وإيمان وكفر، ويكون إلى أحدهما أقرب منه إلى الآخر، فيكون من أهله، كما قال تعالى ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾ [آل عمران ١٦٧]، وقال ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ [يوسف ١٠٦]، فأثبت لهم الإيمان به مع مقارنة الشرك، فإن كان مع هذا الشرك تكذيب لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان بالله، وإن كان معه تصديق لرسله، وهم مرتكبون لأنواع من الشرك لا تخرجهم عن الإيمان بالرسل وباليوم الآخر، فهؤلاء مستحقون للوعيد، أعظم من استحقاق أرباب الكبائر). مدارج السالكين ١/ ٥٠٣.