الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن علم التفسير لَمَّا كان متعلقًا بكتاب الله تعالى فهمًا واستنباطًا وبيانًا، كان من أشرف العلوم وأعظمها، بل هو رأس العلوم ورئيسها، وقد حاز علم تفسير القرآن هذا الشرف من جهةِ موضوعه، وغَرَضهِ، وشِدَّة الحاجة إليه، فهو أشدُّ العلوم تعلُّقًا بكتاب الله تعالى، بل هو سبيل علمه ومنهج فهمه، وكُلُّ العلوم الشرعية متوقفةٌ عليه وراجعةٌ إليه، وكلُّ كمال ديني أو دنيوي، عاجلٍ أو آجلِ، إنما يكون بتحصيلها ومعرفة مراد الله تعالى بِها.
وقد أدرك سلفُ هذه الأمَّةَ مَنْزلة هذا العلم من الدين، فَنَزل منهم أشرفَ منْزل وأعلاه، وتفرَّغ له طائفةٌ منهم، فأفنوا فيه أعمارهم تحصيلًا وتأصيلًا، وسلكوا لنشره وتبيينه للناس كُلَّ سبيل، فكان بيانهم أحسن بيان، وجاء استنباطهم أدَقَّ استنباطٍ وألطفه، ولا غرو فهم خير هذه الأمة وأفضلها بشهادة خير البرية ﷺ، وقد حازوا كمالَ كلِّ فضيلةٍ من علم، وعمل، وإيمان، وعقل، ودين، وبيان، وعبادة، وما أحسن ما قال الشافعي (ت: ٢٠٤) في رسالته البغدادية: (هم فوقنا في كلِّ علمٍ، وعقلٍ، ودينٍ، وفضلٍ، وكلِّ سببٍ يُنَال به علمٌ، أو يُدرَك به هدى، ورأيهم لنا خيرٌ من رأينا