للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالإلقاء باليد إلى التهلكة: أن نُقيمَ في أموالنا ونصلحَها، وندعَ الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله، حتى دفن بالقسطنطينية) (١).

* تحليل الاستدراك:

تعجَّبَ بعض الناس من بلاء هذا الرجل من نفسه، وحمله على العدوّ وحده، وقالوا: (يلقي بيده إلى التهلكة)، وهي: مواضع الهلاك ومظانُّه، وكُلُّ ما عاقبَتُه إلى هلاك (٢)، فجعلوا فعل هذا الرجل من التهلُكَة المنهي عن إتيانها، وهذا تعميم للَّفظ بما هو من معناه لُغَةً، فاعتمد هذا القول على اللغة، وعلى عموم اللفظ وشموله.

فَبَيَّنَ أبو أيوب بُعدَ هذا التأويل، وابتدأ بذكر قولِهم ليكون أبلَغَ في الردِّ والبيان، فقال: (أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هكذا؛ أن حمل رجلٌ يقاتلُ يلتمسُ الشهادةَ، أو يبلي من نَفسه!)، ثُمَّ مَهَّدَ لمعناها بقوله: (إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار)، وهذه إشارة إلى أنهم أعلمُ بها من غيرهم، ثم ذَكَرَ سبب نُزولها بقوله: (إنا لمَّا نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا بيننا معشر الأنصار سرًّا من رسول الله: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنَّا أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها. فأنزل الله في كتابه يردُّ علينا ما هممنا به ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة ١٩٥])،


(١) أخرجه أبو داود في سننه ٣/ ١٢ (٢٥١٢)، والترمذي في جامعه ٥/ ٢١٢ (٢٩٧٢)، والنسائي في السنن الكبرى ٦/ ٢٩٩ (١١٠٢٩)، وابن جرير في تفسيره ٢/ ٢٧٨ (٢٥٩٤)، وابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٣٣٠، وابن حبان في صحيحه ١١/ ٩ (٤٧١١)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٩٤ (٢٤٣٤)، والبيهقي في السنن ٩/ ٤٥ (١٧٧٠٤)، والطبراني في الكبير ٤/ ١٧٦ (٤٠٦٠)، وعزاه ابن حجر في الكافي الشافِ ١/ ٢٣٥ لإسحاق، وعبد بن حميد، ونسبه في الفتح ٨/ ٣٣ لمسلم، وليس في صحيحه، ولعله وَهْم؛ فإنه لم يعزُهُ إليه في الكافي الشافِ، ولم يرمز لمسلم في ترجمته لأبي عمران في التهذيب والتقريب. وعزاه السيوطي في الدر ١/ ٤٦٣ لابن المنذر، وابن مردويه. من طريق حَيْوَةَ بن شُريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلَم أبي عمران التُّجَيبي.
وإسناده صحيح. وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح غريب)، وصححه ابن حبان، والحاكم.
(٢) ينظر: تهذيب اللغة ٦/ ١٢، والقاموس المحيط (ص: ٨٦٢).

<<  <   >  >>