للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

لَمَّا فهم ابن عمر هذه الآية على العموم، بلغت من نفسه ما بلغت من الصحابة قبل ذلك حين أُنزلت، إذ فهموا منها عموم المحاسبة على كلِّ واردٍ على النفس حتى ما يعرض فيها من الوسوسة والخواطر التي لا حيلة لهم فيها، ولا طاقة لهم بها، فكان ابن عمر يبكي عند قراءة هذه الآية؛ خوفًا من المؤاخذة على كلِّ ذلك، فأَخبَر ابنُ عباسٍ أن ما وجده ابن عمر قد وجده مَنْ قبله، وأن الله تعالى خفف عنهم بالآية بعدها ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، فكانت الوسوسة من المعفِي عنه يوم القيامة (١)؛ لأنها ممَّا لا طاقة للمسلمين بها، قال ابن عطية (ت: ٥٤٦): (فلمَّا كان اللفظ ممَّا يمكن أن تدخل فيه الخواطر؛ أشفق الصحابة والنبي ، فبيَّن الله تعالى لهم ما أراد بالآية الأولى وخصّصَها، ونَصَّ على حكمه أنَّه ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، والخواطر ليست هي ولا دفعها في الوُسع، بل هو أمر غالب، وليست ممَّا يُكسَب ولا يُكتَسب، وكان في هذا البيان فرحُهم وكشفُ كربهم) (٢)، وهذا المعنى هو ما عبَّرَ عنه ابن عباس في رواية مجاهد بقوله: (فنسختها هذه الآية ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة ٢٨٥] إلى ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة ٢٨٦]، فتُجُوّزَ لهم عن حديث النفس، وأُخِذوا بالأعمال). فَسَمَّى ابنُ عباس بيان الآية الثانية للأولى نسخًا، كما ورد ذلك عن عائشة، وأبي هريرة،


(١) قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨): (وهذه الوسوسة هي ممَّا يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان، وقد خاف من خاف من الصحابة العقوبة على ذلك فقال تعالى ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]). مجموع الفتاوى ١٤/ ١٠٨.
(٢) المحرر الوجيز ١/ ٣٩٠، وينظر: البحر المحيط ٢/ ٣٧٦.

<<  <   >  >>