للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لفظ: (فَلَعَمري ما أتَمَّ اللهُ حَجَّ من لَم يَطُفْ بين الصَّفا والمَرْوَة) (١).

* تحليل الاستدراك:

فَهِمَ عروةُ (ت: ٩٤) من قوله تعالى ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة ١٥٨]، إباحة تركِ الطواف بينهما، وحَمَلَ نفيَ الجناحِ الوارد في الآية على معنى التَّرْك، أي: لا حَرَجَ على من ترك الطَّواف بين الصفا والمروة. ومن ثَمَّ ذهب إلى إباحة الطواف بين الصفا والمروة، وذلك نحو قوله تعالى ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ [البقرة ٢٣٠]، إذ ظاهره الإباحة ونفي الحرج عنهما في المراجعة (٢). وَقَوَّى هذا المعنى قولُه تعالى بعد نفي الجُنَاح في الآية ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ١٥٨]، أي: من طافَ بالصفا والمروة تَطَوُّعًا لله من عنده؛ فإن الله شاكِرٌ له، ومُجَازِيه على العَمَلِ القليل، الثَّوابَ الجَزيل (٣). ويُؤكِدُ هذا المعنى كذلك، قراءة علي، وابن مسعود، وأُبَيّ، وابن عباس، وأنس بن مالك ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة ١٥٨] (٤).

أمَّا عائشة ، فذهبت إلى وجوب الطواف بين الصفا والمروة بقولها: (فَلَعَمري ما أتَمَّ اللهُ حَجَّ من لَم يَطُفْ بين الصَّفا والمَرْوَة)، وبَيَّنَت خَطأَ قولِ عروة (ت: ٩٤) بقولها: (لو كانت كما تقول، لكانت: "فلا جُنَاح عليه ألاَّ يَطّوَّفَ بِهِما")، أي أن رَفعَ الجُناح في الآية جاءَ عن الفعل، لا عن التَّرك، ولو كان عن التَّرك لرُبَّما كان دليلَ إباحةٍ كما قال عروة (ت: ٩٤)، ولكانت الآية على ما ذَكرَت . والفعل الذي جاء رفعُ الجُناح عن إتيانه هو ما بَيَّنَته في سبب النُّزول؛ وهو تَحَرُّجُ الأنصار من


(١) أخرجه البخاري في صحيحه ٣/ ٥٨١ (كتاب ٢٥ - الحج، باب ٧٩ - وجوب الصفا والمروة، وجُعِلَ من شعائر الله، برقم: ١٦٤٣)، ومسلم في صحيحه ٣/ ٤٠١ (كتاب ١٥ - الحج، باب ٤٣ - السعي بين الصفا والمروة ركن، برقم: ١٢٧٧).
(٢) أحكام القرآن، للطحاوي ٢/ ١٠٠.
(٣) ينظر: نكت القرآن ١/ ١٥٢، والعذب النمير ٤/ ١٨٨٨.
(٤) ينظر: المصاحف ١/ ٢٩٢، ٣٣٩، وأحكام القرآن، للطحاوي ٢/ ٩٣، والمُحتَسب ١/ ٢٠٢.

<<  <   >  >>