للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطواف بين الصفا والمروة؛ لأنه كان من عملهم في الجاهلية، وقد كان على الصفا والمروة صَنمان في الجاهلية هُما: إِسَاف ونائِلَة (١)، والطواف لهما من شعائر الجاهلية، وربَّما قال بعضُهُم: إنما أُمِرنا بالطَّواف بالبيت، ولم نُؤمَر به بين الصفا والمروة. فتَحَرَّجوا لأجل هذا وذاك (٢)، فجاء الجواب في الآية مُطابِقًا لِسُؤالهم، ومُبَينًا أنه لا حَرَج في الطواف بينهما، وأنهما من شعائر الله تعالى ومُتَعَبَّداته.

* الحكم على الاستدراك:

تَمَيَّزَ جوابُ عائشة في هذا المَقام بأمرين غابا عن عروة (ت: ٩٤) (٣):

أوَّلُهُما: دِقَّة علمها، وفهمها الثاقب لدلالات الألفاظ، وفروقها، وقد ظهر هذا جَلِيًّا في وقوفها على معنى رفع الجُناح، وأنه لا دلالة فيه على الوجوب أو عدمه، ثُمَّ تفريقها بين رفع الجُناح عن الفعل، ورَفعِه عن الترك.

ثانِيهِما: معرفتها بسبب النُّزول، واستدلالها به على وجه نظم الآية، وأنها إنما كانت كذلك لأنها نزلت جوابًا لمن تَحَرَّج من الطواف بين الصفا والمروة، فرَفَعَت الحرجَ عن طوافهم على تلك الصورة التي تحرَّجوا منها، لا عن فعل الطواف نفسه. (٤)

ثم استَدلَّت بعد ذلك على وجوب الطواف بين الصفا والمروة بدليل خارجٍ عن الآية، وهو قولها: (بئسما قُلتَ يا ابن أُختي، طافَ رسول الله ، وطافَ المسلمون،


(١) إِسَاف ونائِلَة: رَجلٌ وامرأةٌ من جُرهُم، زنيا في الكعبة في الجاهلية، فمسخهما الله حجرين، فنُصِبَا على الصفا والمروة ليَتَّعظ الناس، ثم حَوَّلَهُما عمرو بن لُحَي إلى زمزم، ونحرَ لهما، فعُبِدا عند الكعبة. ينظر: سيرة ابن هشام ١/ ٨٢، والمُفهِم ٣/ ٣٨٤، وشرح النووي على مسلم ٣/ ٤٠٠.
(٢) ينظر: المصابيح في تفسير القرآن (مخطوط، ص: ٣٦)، والمُفهِم ٣/ ٣٨٣، وشرح النووي على مسلم ٣/ ٤٠٠، وفتح الباري ٣/ ٥٨٣.
(٣) اعتذر عروة عن ما فات عليه فهمه هنا بحداثة سِنِّه، كما في رواية الاستدراك: (وأنا يومئذٍ حَدَثٌ).
(٤) ينظر: مجموع الفتاوى ٢٤/ ٢٠، والموافقات ١/ ٤٧٨.

<<  <   >  >>