للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكانت سُنَّةً)، أي: تشريعًا (١)، وفي لفظ: (قد سَنَّ رسول الله الطواف بينهما؛ فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بِهِما) (٢)، وسَنَّ هنا بمعنى: شَرَّعَ وأوجَب؛ لقولها: (فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بِهِما). واستدلالها هُنا بفعل رسول الله دليلُ فقهٍ وبصيرة؛ فإنها لم تستدل بالآية لأنه لا دلالة فيها على الوجوب (٣). وتمام الاستدلال بفعله لهذا الأمر على كونه واجبًا يكون باعتبار قوله : (خُذُوا عَنِّي مناسِكَكُم) (٤). واستُدِلَّ على وجوبه كذلك بوَصفه تعالى الطوافَ بين الصفا والمروة بأنه ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة ١٥٨] (٥)، فهو خبرٌ بمعنى الأمر (٦)، يزيل ما علق في نفوس بعض الصحابة من أنه من شعائر الجاهلية، (وهو شِعارٌ لا يخلو عنه الحجُّ والعُمرَة، فكان رُكنًا كالطَّواف) (٧)، واستُدِلَّ كذلك بأدلَّة أُخرى جمعت قولَ النبي وفعله، منها أنه سعى بين الصفا والمروة وإن مِئزَرَه ليَدُور من شِدَّة السعي، وهو يقول: (اسعوا؛ فإن الله كَتَبَ عليكم السَّعيْ) (٨)، وكذلك قوله في إهلال أبي موسى الأشعري: (طُف بالبيت، وبين الصفا والمروة) (٩). وقد اجتمع فيه فعل إبراهيم ،


(١) المُفهِم ٣/ ٣٨٥.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه ٣/ ٤٠٢ (١٢٧٧ مكرر).
(٣) ينظر: الموافقات ١/ ٢٣٠، ٤٧٨، والتحرير والتنوير ٢/ ٦٢.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه ٣/ ٤١٩ (١٢٩٧).
(٥) استدل به البخاري في تبويبه للحديث. ينظر: المُفهِم ٣/ ٣٨٥، وفتح الباري ٣/ ٥٨٢.
(٦) ينظر: الإكليل ١/ ٣٢٨.
(٧) أحكام القرآن، لابن العربي ١/ ٧٨.
(٨) أخرجه الشافعي ١/ ٣٧٢ (١٧٢٢)، وأحمد ٦/ ٤٢١ (٢٧٤٠٧)، من حديث حبيبة بنت أبي تَجْرَاة، وفي إسناده عبد الله بن المؤمل، فيه ضعف. وإسناده حسنٌ لغيره، وجَوَّد الشافعي وأبو نُعيم إسناده ومعناه، كما في الاستذكار ٤/ ٢٢١، وله شواهد منها: حديث ابن عباس، عند ابن خزيمة ٤/ ٢٣٢ (٢٧٦٤)، والطبراني في الكبير ١١/ ١٨٤ (١١٤٣٧). ينظر: التمهيد ٩/ ٥٢، ونصب الراية ٣/ ٥٥، وفتح الباري ٣/ ٥٨٢.
(٩) أخرجه البخاري في صحيحه ٣/ ٦٥٤ (١٧٢٤).

<<  <   >  >>