للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورسولنا (١). وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين على وجوب السعي بين الصفا والمروة، وأنه ركن من أركان الحج، لا يصحُّ بدونه. (٢)

وأُجِيبَ عن الاستدلال بقوله تعالى في الآية ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ١٥٨]، بأنه عامٌّ في كلِّ تطوُّعٍ بالحج أو العُمرَة، أو بِسائِر الأعْمَال (٣)، ويبطلُ هذا الاستدلال كذلك من جهة أنه لو كان التطوع عائدًا في الآية على الطواف بين الصفا والمروة لكانت قربة مستقلّة، ولكان للناس أن يطوعوا بالطواف بينهما وإن لم يكونوا حاجِّين أو معتمرين، وقد أجمع المسلمون على أن الطواف بينهما في غير الحج أو العمرة ليس ممَّا يتقرب به العباد إلى الله ﷿، ولا ممَّا يُتَطَوَّع به مُفرَدًا، فدل على أن التطوع هنا على عمومه، أو عائد على الحج والعمرة في الآية (٤). وكذا رُدَّ استدلالهم بقراءة من قَرَأ ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة ١٥٨]، من جهة أنها قراءة شاذَّة، قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (وهو خلاف مرسوم مصاحف المسلمين، وممَّا لو قرأه اليوم قارئ كان مُستَحقًّا العقوبةَ؛ لزيادته في كتاب الله ﷿ ما ليس منه) (٥). ولو صَحَّت هذه القراءة، لكانت "لا" التي مع "أن" صِلَة، لتأكيد المعنى، وقد تقدَّمها جَحد في الكلام قبلها، وذاك نحو قوله تعالى ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ


(١) ينظر: تفسير مقاتل ١/ ٨٩، وتفسير ابن كثير ١/ ٤٣٩.
(٢) وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن جرير. وذهب الحسن، وأبو حنيفة، والثوري، إلى أنه واجب، يُجبَر تركه بدم، واختاره ابن قدامة. وروي عن ابن عباس، وأنس، وعبد الله بن الزبير، وابن سيرين أنه سُنَّة. ينظر: جامع البيان ٢/ ٦٧، والتمهيد ٩/ ٤٣، والاستذكار ٤/ ٢٢٠، وبداية المجتهد (ص: ٢٨٥)، والمغني ٤/ ٥٧٨، والمُفهِم ٣/ ٣٢٧، ٣٨٥، وشرح النووي على مسلم ٣/ ٣٩٩، وفتح الباري ٣/ ٥٨٢.
(٣) ينظر: جامع البيان ٢/ ٧١، وتفسير السمعاني ١/ ١٦٠.
(٤) ينظر: أحكام القرآن، للطحاوي ٢/ ١٠٠.
(٥) جامع البيان ٢/ ٧١. وينظر: تفسير السمعاني ١/ ١٦٠، والتمهيد ٩/ ٥٠.

<<  <   >  >>