للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الحكم على الاستدراك:

يجتمع كلا هذين القولين في بيان المراد بالسيما في الآية على أنها في الدنيا، وقد سَبَقَ بعضُ الصحابة مُجاهدًا إلى هذا القول، فعن ابن عباس في قوله تعالى ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح ٢٩] قال: (أما إنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإسلام وسحنته، وسمته وخشوعه) (١)، وعن الجعيد بن عبد الرحمن (٢) قال: كنت عند السائب بن يزيد (٣) إذ جاء الزبير بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف وفي وجهه أثر السجود، فقال السائب: (لقد أفسدَ هذا وجهَه، أما والله ما هي السِّيمَا التي سَمَّى اللهُ، ولقد صليت على وجهي منذ ثمانين سنة ما أثَّرَ السجود بين عيني) (٤)، ومُراد السائب أن هذه العلامة لا تؤثر عند عدمها، فكذلك لا تؤثر عند وجودها، فصاحب هذه العلامة لا يدخل في من وُصِف في الآية بمجردها، بل لا بد من أمر آخر هو ما بينه ابن عباس ، ومِنْ بعده مجاهد (ت: ١٠٤)، وهو سمت الإسلام العام، وهديه وخشوعه وتواضعه. ومن ثَمَّ يكون نفيهم للأثر الحسِّي للسجود في الوجه أن يكون مرادًا في الآية، أي: بمفرده، أو من يتقصَّدُه، ويُرائي به، كما في اعتراض مجاهد في الاستدراك. وقريب من هذا القول تفسير السيما بنور الوجه من أثر الصلاة، كما قاله


(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره ٢٦/ ١٤٣ (٢٤٤٧٩)، من طريق مجاهد عن ابن عباس، وأخرجه الثعلبي في تفسيره ٩/ ٦٥ من رواية الوالبي، وإسناده حسن، وينظر: الوسيط ٤/ ١٤٦، ومعالم التنْزيل ٧/ ٣٢٤.
(٢) الجعيد أو الجعد بن عبد الرحمن بن أوس، مات سنة (١٤٤). ينظر: الكاشف ١/ ١٨٣، والتقريب (ص: ١٩٧).
(٣) السائب بن يزيد بن سعيد بن ثُمامة الكندي، من صغار الصحابة، له رؤية ورواية، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، مات سنة (٩١). ينظر: السير ٣/ ٤٣٧، وتهذيب التهذيب ١/ ٦٨٣.
(٤) أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ٤/ ٣٧٨ (٢٤١٨)، والطبراني في الكبير ٧/ ١٥٨ (٦٦٨٥)، والبيهقي في السنن ٢/ ٢٨٧ (٣٣٧٤). وإسناده صحيح، وينظر: مجمع الزوائد ٧/ ١٠٧.

<<  <   >  >>