للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحال تُنبئ عن تعذر تغيير المنكر باليد واللسان؛ لشيوع الفساد وغلبته على العامة، وفرض النهي عن المنكر في مثل هذه الحال إنكاره بالقلب، كما قال : (فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) (١)، فكذلك إذا صارت الحال إلى ما ذُكِر، كان فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلب؛ للتقية، ولتعذر تغييره، وقد يجوز إخفاء الإيمان وترك إظهاره تقيةً، بعد أن يكون مطمئن القلب بالإيمان، قال الله تعالى ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ﴾ [النحل ١٠٦]، فهذه منْزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (٢). وقال الشنقيطي (ت: ١٣٩٣): (وهذه الصفات المذكورة في الحديث، من الشُّح المُطاع، والهوى المُتَّبَع، الخ، مَظنَّةٌ لعدم نفع الأمر بالمعروف، فدَلَّ الحديث على أنه إن عُدِمَت فائدته سقط وجوبه) (٣).

* الحكم على الاستدراك:

ما ذكره رسول الله من معنى هذه الآية لازمُ الاتباع، وقد وافقت نصوصُ الشرع في هذا الباب هذا المعنى النبوي، كما دَلَّ عليه ظاهر القرآن في قوله تعالى ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩] (٤)، وعليه تفسير الصحابة ، ومما ورد عنهم في ذلك:

- حديث جبير بن نُفير (٥) قال: (كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله ، وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة ١٠٥]؟


(١) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ٢١٦ (٤٩).
(٢) أحكام القرآن ٢/ ٦١٠.
(٣) أضواء البيان ٢/ ١٣٤.
(٤) ينظر: أضواء البيان ٢/ ١٣٤.
(٥) جبير بن نُفير بن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي، مخضرم من كبار التابعين، ولأبيه صحبة، مات سنة (٨٠). ينظر: الكاشف ١/ ١٨٠، والتقريب (ص: ١٩٥).

<<  <   >  >>