للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثعلبي (ت: ٤٢٧): (وهذا بابٌ سائِغٌ في اللغة، وهو أن يُذكَرَ لفظان مُتَضادَّان، ثُمَّ يُشَارُ إليهما بلفظ التوحيد) (١)، ومنه قوله تعالى ﴿لاَّ فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة ٦٨]، وقوله ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان ٦٨]، وقوله ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس ٥٨] (٢). ويدُلُّ على هذا القول أن الكلام في الآية في بيان اختلاف الخلق في أديانهم، وهو مُفتَتَحُ الكلام وإليه يعود، قال تعالى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود ١١٨]، ثُمَّ الاختلاف المذكور أكثر مناسبة للإشارة للمُذَكَّر البعيد في قوله ﴿وَلِذَلِكَ﴾ [هود ١١٩]، كما أن سباق الآية ولحاقها يؤكد هذا المعنى، فقد ذكر تعالى قبل هذه الآية انقسام الخلق إلى شَقِيٍّ وسعيد فقال ﴿شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود ١٠٥]، ثم تَمَّمَ تعالى هذه الآية ببيان حالِ هذين الفريقين المُختَلِفَين فقال ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩]. وقد أشار إلى سِبَاقِ الآية ابنُ عباس (٣)، كما أشارَ إلى لِحاقِها أبو عبيد القاسم بن سلاَّم (ت: ٢٢٤) (٤).

وعلى هذا القول تكون اللامُ في قوله تعالى ﴿وَلِذَلِكَ﴾ [هود ١١٩]، بمعنى: "على" كما ذكره ابن جرير (ت: ٣١٠) (٥)، أو للصيرورة، وبيان العاقبة الكونية (٦). وهو قول ابن عباس (٧)، وعمر بن عبد العزيز (ت: ١٠١)، والحسن (ت: ١١٠)، وعطاء


(١) الكشف والبيان ٥/ ١٩٤.
(٢) ينظر: المحرر الوجيز ٣/ ٢١٥، والجامع لأحكام القرآن ٩/ ٧٦.
(٣) ينظر: جامع البيان ١٢/ ١٨٦ (١٤٤٠٨)، وتفسير ابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٩٥ (١١٢٩٢).
(٤) كما في تفسير السمعاني ٢/ ٤٦٨. وينظر: أحكام القرآن ٣/ ٢٧، والتفسير الكبير ١٨/ ٦٣، والإشارات الإلهية ٢/ ٣٢٦.
(٥) جامع البيان ١٢/ ١٨٨، وينظر: الكشف والبيان ٥/ ١٩٤.
(٦) ينظر: أحكام القرآن، للجصاص ٣/ ٢١٥، والمحرر الوجيز ٣/ ٢١٦، ومجموع الفتاوى ٤/ ٢٣٦، والبحر المحيط ٥/ ٢٧٢.
(٧) من طريق عطاء، وابن أبي طلحة. ينظر: جامع البيان ١٢/ ١٨٦، والوسيط ٢/ ٥٩٧.

<<  <   >  >>