للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بل أتى بمثال ممَّا تتضمنه الآية، كالمثال المذكور؛ فإنه موافق لِمَا كان مُشتَهِرًا في ذلك الزمان، فهو أولى ما يُمَثَّلُ به، ويبقى ما عداه مسكوتًا عن ذكره عند القائل به، ولو سُئِلَ عن العموم لَقال به، وهكذا كل ما تقدم من الأقوال الخاصة ببعض أهل البدع، إنما تحصل على التفسير بحسب الحاجة، ألا ترى أن الآية الأولى من سورة آل عمران إنما نزلت في قصة نصارى نجران؟ ثُمَّ نُزِّلَت على الخوارج حسبما تقَدَّم، إلى غير ذلك ممَّا يُذكَر في التفسير، إنما يحملونه على ما يشمله الموضع بحسب الحاجة الحاضرة، لا بحسب ما يقتضيه اللفظ لُغَةً. وهكذا ينبغي أن تُفهَمَ أقوالُ المفسرين المُتقَدِّمين، وهو الأولى لمناصبهم في العلم، ومراتبهم في فهم الكتاب والسنة) (١).

ثالثًا: مراعاة حال المُخاطَب، ومنْزلته في العلم والفهم، فبيان المعنى لأهل العلم وطلابه، يختلف عن بيانه لعامة الناس، وقد اشتهر عن السلف تقريب معاني كلام الله تعالى للناس بأيسر سبيل، وأوضح دليل، حتى أنهم ربما ذكروا للناس من واقعهم ما يُفسرون به القرآن، ومنه قول الأعمش (ت: ١٤٨) عند قوله تعالى ﴿اهْبِطُوا مِصْرَ﴾ [البقرة ٦١]- بلا تنوين-: (هي مصر التي عليها صالح بن علي) (٢). وكذا استشهادهم لكثير من الآيات على ما استجَدَّ في واقعهم، وتفسيرها به، كتفسيرهم عددًا من الآيات بالخوارج، والحرورية، والإباضية، والقدرية، وكُلُّها فِرقٌ حدثت أو برزت بعد زمن التنْزيل. (٣)

قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (أولى العبارات أن يُعَبَّر بها عن معاني القرآن أقربها إلى


(١) الاعتصام (ص: ٧٨)، وينظر: المحرر الوجيز ١/ ٨٤.
(٢) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف ١/ ٣٠٢. وينظر: الدر ١/ ١٦٣.
(٣) ينظر في التمثيل لذلك: نقض الدارمي على المريسي ١/ ٥٨٢، وجامع البيان ٣/ ٢٤٢، و ٤/ ٥٥، ٨٨، و ١٦/ ٤٢، و ٢١/ ٧٠، ١٣٤، و ٢٨/ ١١٠، و ٢٤/ ١٠٤. وعن أثر بيئة المفسر في التفسير ينظر: في ظلال القرآن ٦/ ٣٩٧٨.

<<  <   >  >>