للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

على أن الفاسق في زمان النبي يُطلق على الكافر كثيرًا، كقوله تعالى ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة ٦٧]، وقوله ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة ٩٩]، وقوله ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة ٢٠] وذَكَرَ آياتٍ كثيرةً ثم قال: (فهذه الآيات دالَّةٌ على أن الفاسق في العرف الأول يُطلَق على الكافر، ويسبق إلى الفهم) (١).

وذهب ابنُ سلاَّم (ت: ٢٠٠) إلى أن المُرادَ بالفِسقِ في الآية: فسق المعصية، غير المُخرجِ من المِلَّة. ومعتمده في ذلك صحة المعنى لُغةً، فالعاصي خارجٌ عن الطاعة. وكذلك دلالة السياق؛ فإنه في الحديث عن قذف المسلم لأخيه المسلم. ولهذا المعنى نظائر في كتاب الله تعالى، منها قوله ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة ١٩٧]، فسمى محظورات الإحرام ونحوها من المعاصي فسوقًا، كما سمى الكاذب فاسقًا في قوله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦]، وعَدَّ التنابز بالألقاب فسوقًا في قوله ﴿وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾ [الحجرات ١١]، وقد جاءت السنة بإطلاق اسم الفسق على العاصي، كما في قوله : (سباب المسلم فسوق) (٢)، قال اللالكائي (ت: ٤١٨): (إن المسلم إذا سَبَّ المسلم وقذفه فقد كذب، والكذاب فاسق، فيزول عنه اسم الإيمان) (٣). وقال رسول الله : (إن الفُسَّاق هم أهل النار)، قيل: يا رسول الله ومن الفُسَّاق؟ قال: (النساء)، قال رجل: يا رسول الله أوَ لَسْنَ أمهاتنا وأخواتنا وأزواجنا؟ قال: (بلى،


(١) العواصم والقواصم ٢/ ١٦٠ باختصار، وينظر: إيثار الحق على الخلق (ص: ٤٠٧)، وتفسير المنار ١/ ٢٣٩.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ١/ ١٣٥ (٤٨)، ومسلم في صحيحه ١/ ٢٤١ (١١٦).
(٣) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٦/ ١٠٩٣.

<<  <   >  >>