للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي: كما هو حال أهل الكتاب، فإنَّهم أظهر من ادَّعى الإيمان وهم مشركون. وقد ورد عن ابن عباس أمثلة أخرى لمن انطبق عليه وصف الآية، فمن طريق العوفيين السابق قال في هذه الآية: (يعني النصارى)، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في هذه الآية: (من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون)، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: (سلهم من خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله. فذلك إيمانهم، وهم يعبدون غيره) (١)، وقال : (نزلت في تلبية مشركي العرب: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك)، وعنه أيضًا: (أنَّهم المُشَبِّهة، آمنوا مُجملًا، وكفروا مُفَصَّلًا) (٢). فهي عند ابن عباس في أهل الكتاب، وفي النصارى، وفي المشركين عمومًا، وبالأخص مشركي العرب، ويجمع كلَّ من سبق قوله : (إنَّا لم نُعْنَ بها).

وعلى هذا يكون المُراد بالإيمان في هذه الآية: الإيمان اللغوي، لا حقيقة الإيمان؛ فإنه لا يجتمع مع نقيضه، و (الإيمان اللغوي يُجامع الشرك، فلا إشكال في تقييده به) (٣)، أو يُراد به هنا: في زعمهم، ولجهلهم، وكما يدَّعون، أو بألسنتهم (٤)، قال الطوفي (ت: ٧١٦): (﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ [يوسف ١٠٦] يعني


(١) سبق تخريج هذه الروايات الثلاث في تخريج الاستدراك، وينظر: فتح الباري ١٣/ ٥٠٣، والدر المنثور ٤/ ٥٢٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٩/ ١٧٨، وفي الكشاف ٢/ ٤٨٨: (هم الذين يشبهون الله بخلقه)، وهم المشركون الذين آمنوا بالربوبية إجمالًا، وكفروا بالألوهية تفصيلًا، فليس مراده مشبهة الصفات؛ فإنهم ما ظهروا إلا متأخرًا.
(٣) أضواء البيان ٣/ ٥٦.
(٤) ينظر: أحكام القرآن، للجصاص ٣/ ٢٣١، والوسيط ٢/ ٦٣٧، والمحرر الوجيز ٣/ ٢٨٥، وزاد المسير (ص: ٧٢٢).

<<  <   >  >>