للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (يمين الله ملأى لا يَغِيضُها نفقةٌ، سَحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مُنذ خلق السماوات والأرض؛ فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القَبضُ، يرفع ويخفض) (١).

وأمَّا إطلاق الغلِّ على اليد، وإرادة البخل به؛ فأسلوب عربي معروف نزل به القرآن، ومنه قوله تعالى ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء ٢٩]، قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (وإنما وصف تعالى ذكره اليدَ بذلك، والمعنى: العطاء؛ لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم، فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضًا إذا وصفوه بجود وكرم، أو ببخل وشُحٍّ وضيق، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه، كما قال الأعشى (٢) في مدح رجل:

يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ فَكَفٌّ مُفِيدَةٌ … وَكَفٌّ إذا ما ضُنَّ بالزَّادِ تُنْفِقُ

فأضاف ما كان صفةَ صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى اليد، ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى، فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم) (٣)، والعرب تقول في مقابل ذلك للبخيل: جَعدُ الأنامل، ومقبوض الكَفِّ، ومغلول اليد، ومنه قول الشاعر (٤):

كَانَتْ خُرَاسَانُ أرْضًا إذْ يَزِيدُ بِهَا … وَكُلُّ بَابٍ من الخَيْرَات مفْتُوحُ

فَاسْتَبْدَلَتْ بَعدَه جَعْدًا أَنَامِلُه … كأنَّمَا وَجْهُه بالخَلِّ مَنْضُوحُ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه ١٣/ ٤٠٤ (٧٤١١)، ومسلم في صحيحه ٣/ ٦٧ (٣٧).
(٢) ميمون بن قيس بن جندل، أبو بصير، من بني بكر بن وائل، يلَقَّب بصَنَّاجة العرب، من فحول شعراء الجاهلية، أدرك أوائل عهد النبوة ولم يسلم على المشهور. ينظر: طبقات فحول الشعراء ١/ ٤٠، ٥٢، والأغاني ٩/ ٨٠.
(٣) جامع البيان ٦/ ٤٠٤، وينظر: نقض الدارمي على المريسي ٢/ ٦٩٩.
(٤) هو نَهَار بن توسعة البكري الخراساني، ينظر: الكشف والبيان ٤/ ٨٧، والجامع لأحكام القرآن ٦/ ١٥٤.

<<  <   >  >>