للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والفهم والتدبر) (١)، (وإن شِئتَ أدخلتَ هذا في باب معنى المعنى، أي المعاني التي وراء المعاني، ولا ضيرَ أن تكون وراءها بمسافةٍ أبعد، أو أن تكون من باب مُستَتبَعات التراكيب، وهو بابٌ جليلٌ غَيَّبَه غُبار العُجمَة) (٢).

ثانيًا: أنه قد يقوى المعنى الخَفيّ في الآية حتى يكاد يغيب معه المعنى الظاهر منها أو يكاد، ففي قول عمر لابن عباس : (ما أعلم منها إلا ما تقول) نفيٌ لما فهمه جلساؤه من الآية وهو ظاهرها، وهذا مُشكِل؛ فإن ما ذكره الصحابة معنى صحيح لا شك فيه، والأخذ بالظاهر أصلٌ جرى عليه التفسير النبوي وتفسير الصحابةرضي الله عنهم - ومنهم عمر وابن عباس- في غيرما موضع. ويُجَاب عنه بأنه مبالغةٌ من عمر في تصحيح قول ابن عباس وتأكيده، في مقابل قول جميع من حضر من الصحابة، وفيهم كبارهم من أشياخ بدر، ويشهد له سياق القصة؛ فإن عمر قصدَ من ذلك إظهار فضل ابن عباس وعقله وعلمه، لَمَّا قالوا له: (لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ حيثُ علمتم)، فكان أن وافقه أشد الموافقة بتلك الصيغة، وقد تكررت هذه العبارة من عمر لابن عباس في غير هذا المقام، على نحو هذا المعنى، قال ابن عباس : (كان عمر بن الخطاب يدعوني مع أصحاب محمد ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا. قال: فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر، قال: أرأيتم قول رسول الله: (التمسوها في العشر الأواخر)، أيُّ ليلةٍ ترونَها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى. وقال بعضهم: ليلة ثلاث. وقال آخر: خمس. وأنا ساكت، فقال: ما لك لا تتكلم؟! فقلت: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت. قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم. قال: فقلت: أُحدِّثُكُم برأيي. قال: عن ذلك نسألك. قال: فقلت: السبع؛ رأيت اللهَ ذكر سبع سماوات، ومن


(١) إعلام الموقعين ٢/ ٣٨٧.
(٢) قراءة في الأدب القديم، للدكتور محمد أبو موسى (ص: ٣٤)، وينظر: التحرير والتنوير ١/ ٤٢.

<<  <   >  >>