للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يُعرَف به نظم القرآن، فضلًا عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره على معرفة مُقتَضيات الأحوال: حال الخِطاب من جِهة نفس الخِطاب، أو المُخَاطِب، أو المُخاطَب، أو الجَميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالَيْن، وبحسب مُخَاطبين، وبحسب غير ذلك، كالاستفهام، لفظه واحد، ويدخله مَعَانٍ أُخَر، من تقرير، وتوبيخ، وغير ذلك، وكالأمر، يدخله معنى الإباحة، والتهديد، والتعجيز، وأشباهها، ولا يدلُّ على معناها المُراد إلا الأمور الخارجة، وعُمدَتُها مُقتَضيات الأحوال، وليس كل حال يُنقَلُ، ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقلُ بعض القرائن الدَّالَّة؛ فاتَ فَهم الكلام جُملَة، أو فَهم شيء منه، ومعرفةُ الأسباب رافِعَةٌ لكل مُشكِلٍ في هذا النَّمَط، فهي من المُهِمَّات في فهم الكتاب بِلا بُدّ. ومعرفة السبب هو معنى معرفة مقتضَى الحال، وينشأ عن هذا الوجه:

الوجه الثاني: وهو أن الجهل بأسباب التَّنْزيل مُوقِعٌ في الشُّبَه والإشكالات، ومُورِدٌ للنصوص الظاهرة مَوْرِد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مَظنَّةُ وقوع النِّزاع)، إلى أن قال: (وهكذا شأن أسباب النُّزول في التعريف بمعاني المُنَزَّل، بحيث لو فُقِدَ ذِكرُ السبب لم يُعرَف من المُنْزَل معناه على الخصوص، دون تَطَرُّق الاحتمالات، وتوَجُّه الإشكالات) (١).

وقد شهِدَ الصحابةُ على أثرِ أسباب التنْزيل في معرفةِ التفسير، فعن أبي الأحوص (٢) (ت: ١٧٩) قال: (كُنَّا في دارِ أبي موسى مع نَفَرٍ من أصحاب عبد الله- أي: ابن مسعود- وهُم ينظُرون في المصحف، فقام عبدُ الله، فقال أبو مسعودٍ: ما أعلَمُ رسولَ الله ترَكَ بعدَهُ أعلمَ بما أنزَل اللهُ من هذا القائِم. فقال أبو موسى: أمَا لَئِنْ


(١) الموافقات ٤/ ١٤٦، وينظر في التمثيل على ذلك: الاعتصام (ص: ٤٢٥ - ٤٢٦).
(٢) سلام بن سليم الحَنَفي مولاهم، أبو الأحوص الكوفي، ثقة متقن صاحب حديث، مات سنة (١٧٩). ينظر: الكاشف ١/ ٤١٣، والتقريب (ص: ٤٢٥).

<<  <   >  >>