للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن ثَمَّ فإدخال السائل قتالَ الفتنة في وقته في معنى "فِتنَة" المذكورة في الآية صحيحٌ لُغَةً؛ ولكن لفظ الآية لا يدل عليه ولا هو داخلٌ في معناه؛ إذ القتال على الملك ليس من الدين، كما أن الدخول في ذلك القتال المذكور على الخصوص ليس من الدين أيضًا؛ فإنه قتالُ فتنةٍ لا حقَّ فيه ظاهر، أو مفسدته أعظم من مصلحته، أو مفسدته متحققة في جنب مصلحة موهومة. ثمَّ ما كُلُّ ما صَحَّ لُغةً صَحَّ حَملُ الآية عليه وتفسيرها به؛ (فإن اللغة ليست المصدر الوحيد الذي يمكن لمن أحكمه أن يُفَسر القرآن، إذ لا بد للمفسر من معرفة مصادر أخرى يعتمد عليها في تفسيره؛ كالسنة النبوية، وأسباب النُّزول، وقصص الآي، وأحوال من نزل فيهم الخطاب، وتفسيرات الصحابة والتابعين وتابعيهم، وغيرها من المصادر التي لا يُمكِن أخذها من طريق اللغة. وبِهذا يُعلَم أن التفسير اللغوي جُزءٌ من علم التفسير، ومع أن حَيِّزَه كبير، فإنه لا يَستَقِلُّ بتفسير القرآن) (١)، قال النووي (ت: ٦٧٦): (ولا يكفي في ذلك- أي تفسير ألفاظ القرآن- معرفةُ العربية وحدها، بل لا بد معها من معرفة ما قاله أهل التفسير فيها، فقد يكونون مجمعين على ترك الظاهر، أو على إرادة الخصوص، أو الإضمار وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر) (٢).

والمعنى الذي ذكره ابن عمر ، هو الوارد عن الصحابة ، في مقامات مُشابهة لهذا المقام (٣)، ومن ذلك أنَّ رجلًا جاء إلى سعد بن أبي وقاص فقال له: ألا تخرج تقاتل مع الناس حتى لا تكون فتنة؟ فقال سعد: (قد قاتلت مع رسول الله حتى لم تكن فتنة، فأمَّا أنتَ وذا البُطين تريدون أن أقاتلَ


(١) التفسير اللغوي (ص: ٥٠).
(٢) التبيان في آداب حملة القرآن (ص: ١٦٧).
(٣) في روايات حديث ابن عمر عند البخاري ٨/ ٣٢، ١٦٠ (٤٥١٣ - ٤٥١٤، ٤٦٥٠ - ٤٦٥١)، دلالةٌ على أن القصة تعددت مع ابن عمر من غيرما سائل، ومنهم: حبَّان السلمي- ذو الدُّثَيْنَة-، ونافع بن الأزرق.

<<  <   >  >>