للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: (تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة؛ لأنه مُهاجَر الأنبياء، وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل. فأنزل الله تعالى ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران ٩٦]) (١). وفي تمام الآية، والآية بعدها، وصفٌ لهذا البيت المذكور في الآية، وهذه الأوصاف هي: ﴿مُبَارَكًا﴾، ﴿وَهُدىً لِّلْعَالَمِينَ﴾، ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾، ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران ٩٦ - ٩٧]، فهو بهذه الأوصاف: أول بيت مُباركٍ وُضِعَ للناس، وهو هُدىً للعالمين، وفيه آياتٌ بَيِّناتٌ؛ مَقامُ إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، ويُحَجُّ إليه (٢)، فهو على هذه الصفة أولُ بيت.

وهذه الآية جاريةٌ مجرى التعليل للأمر الوارد في الآية قبلها ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [آل عمران ٩٥]، وبيان ذلك (أن هذا البيت لَمَّا كان أوّل بيت وُضع للهُدى وإعلان توحيد الله؛ ليكون عَلَمًا مشهودًا بالحسِّ على معنى الوحدانية ونفي الإشراك، فقد كان جامعًا لدلائل الحنفية، فإذا ثبت له شرفُ الأوّلية، ودوام الحُرمة على ممرّ العصور دون غيره من الهياكل الدينية التي نشأت بعده، وهو ماثل، كان ذلك دلالة إلهية على أنه بمحل العناية من الله تعالى، فدلَّ على أن الدين الذي قارن إقامته هو الدين المُراد لله، وهذا يؤول إلى معنى قوله ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلَامُ﴾ [آل عمران ١٩]) (٣). وقد ورد في القرآن تسمية المساجد وأماكن العبادة بيوتًا، كما في قوله تعالى


(١) ينظر: الكشف والبيان ٣/ ١١٤، وأسباب النُّزول (ص: ١١٥)، ومعالم التنْزيل ٢/ ٦٩، وأخرج نحوه ابن المنذر ١/ ٢٩٨، والأزرقي ١/ ٧٥ بلاغًا عن ابن جريج (ت: ١٥٠)، وقال ابن حجر (ت: ٨٥٢): (ذكر الثعلبي، وتبعه الواحدي، وابن ظفر عن مجاهد) ثم ذكره، وقال: (هكذا ذكره الثعلبي بغير إسناد، ولم أرَ له عن مجاهد ذِكرًا، وإنما ذكره مقاتل بن سليمان). العُجاب ٢/ ٧١٧. وينظر: تفسير مقاتل ١/ ١٨٢.
(٢) ينظر: بدائع الفوائد ٢/ ٤٦١.
(٣) التحرير والتنوير ٤/ ١١.

<<  <   >  >>