للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذ قال: (والذي أراه في التأويل: أن القرآن كتابَ دين وهُدىً، فليس غرضُ الكلام فيه ضبط أوائل التاريخ، ولكن أوائل أسباب الهدى، فالأوَّليَّة في الآية على بابها، والبيت كذلك، والمعنى: أنه أوَّل بيت عبادة حَقَّة وُضِع لإعلان التوحيد، بقرينة المقام، وبقرينة قوله ﴿وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران ٩٦]، المُقتَضي أنه من وَضعِ واضعٍ لمصلحة الناس؛ لأنه لو كان بيت سُكنى لقيل: وضعه الناس، وبقرينة مجيء الحالين بَعدُ؛ وهُما قوله ﴿مُبَارَكًا وَهُدىً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ٩٦]، وهذا تأويل في معنى بيت) (١).

ولا دليل على حَمْل معنى الآيةَ على أنه أوَّل بيت وُضِعَ في الأرض للناس ولا بيت قبله (٢)، ومن ذكر ذلك لم يَستَدِل بما يَصلُحُ في مُقَابَلةِ حديث أبي ذَرٍّ الصحيح الصريح، وغايتها آثارٌ عن عبد الله بن عمرو، وابن عباس ، ومجاهد (ت: ١٠٤)، وقتادة (ت: ١١٧)، والسدي (ت: ١٢٨) (٣)، لم تسلَم جُلُّ أسانيدها من ضَعفٍ، ولا مُتُونها من نَكارة، مع بُعدِها عن ظاهر الآية وسياقها. (٤)

واختار قول علي في الآية جمهور المفسرين (٥)، وقال به الضحاك (ت: ١٠٥)، والحسن (ت: ١١٠)، والكلبي (ت: ١٤٦)، ومقاتل (ت: ١٥٠)، والنحاس (ت: ٣٣٨)، وابن أبي زمنين (ت: ٣٩٩)، والواحدي (ت: ٤٦٨)،


(١) التحرير والتنوير ٤/ ١٤. وينظر: التفسير الكبير ٨/ ١٢٥.
(٢) واختاره ابن حجر الهيتمي المَكي (ت: ٩٧٣)، وجعله ظاهر الآية، ونسبه لجمهور العلماء!. ينظر: المناهل العذبة (ص: ٩٢)، ضمن مجموع: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام، رسالة رقم (٤٩).
(٣) ينظر: جامع البيان ٤/ ١٢، وتفسير ابن المنذر ١/ ٢٩٤.
(٤) ضَعَّف ابن كثير أثر عبد الله بن عمرو سندًا ومتنًا، وفي أثر ابن عباس رجلٌ مَتروك. وقال ابن عطية (ت: ٥٤٦): (ورويت في هذا أقاصيص من نزول آدم به من الجنة، ومن تحديد ما بين خلقه وَدَحْوِ الأرض، ونحو ما قال الزجاج من أنه: البيت المعمور. أسانيدها ضعاف؛ فلذلك تركتها). المحرر الوجيز ١/ ٤٧٤. وينظر: تفسير ابن كثير ٢/ ٧٣٦، والفتح السماوي ١/ ٣٧٥.
(٥) ونسبه ابن عاشور (ت: ١٣٩٣) للمُحَقِّقين، وجمهور أهل العلم. ينظر: التحرير والتنوير ٤/ ١٣.

<<  <   >  >>