للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إليه، فحملهم على الحق في ذلك سواء، فنَزلت الآيات. (١)

وهذان السببان هما أصح ما ورد، ولا يمتنع نزول الآية فيهما جميعًا (٢)، والتناسب واضح بين سبب النُّزول وسياق الآية الآتي ذكره، وأنه في اليهود.

ثانيًا: سياق الآيات، فقبلها قوله تعالى ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ [المائدة ٤١]، وقوله ﴿لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة ٤٤]، فعاد الضمير عليهم، وبعدها قوله تعالى ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ [المائدة ٤٥]، وهذا الضمير لليهود بإجماع. (٣)

وقد أجاب حذيفة بما يفيد رَدّه لهذا التخصيص، وأنها شاملة لغيرهم من هذه الأمة (٤)، ومأخذ العموم في الآية عموم لفظها؛ إذ صُدِّرت بلفظ "من"، وهي من أبلغ صيغ العموم، فتشمل كلَّ من انطبق عليه شرطها. وكذلك سياقها في قوله تعالى قبلها ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة ٤٤]، على أن الخطاب للمؤمنين (٥). وكذا خطابُ النبي فيها، ومنه قوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ


(١) أخرجه أبو داود ٤/ ١٦٨ (٤٤٩٤)، والنسائي ٨/ ١٨ (٤٧٣٢ - ٤٧٣٣)، وأحمد ١/ ٢٤٦ (٢٢١٢)، والسياق مختصر من لفظه، وإسناده صحيح، ورَوَى نحوه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في أحكام القرآن، لإسماعيل بن إسحاق (١٩٦) (ص: ١٤١).
(٢) تفسير القرآن العظيم ٣/ ١١٧٨.
(٣) ينظر: إعراب القرآن، للنحاس ١/ ٢٦٩، وملاك التأويل ١/ ٣٩٨.
(٤) هذا هو الأظهر في معنى كلامه: أنها عامة، ينظر: بحر العلوم ١/ ٤٣٩، والمحرر الوجيز ٢/ ١٩٦، وتوضحه رواية المروزي: (فقال رجل: إنما هذا في بني إسرائيل. فقال حذيفة: كلا والذي نفسي بيده)، ويشهد له ما أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس قال: (نعم القوم أنتم إن كان ما كان من حلو فهو لكم، وما كان من مُرٍّ فهو لأهل الكتاب. كأنه يرى أن ذلك في المسلمين). الدر المنثور ٣/ ٨٣. وقد جعله ابن جرير وتبعه ابن كثير ضمن أقوال من خَصَّها بأهل الكتاب. ينظر: جامع البيان ٦/ ٣٤٢، وتفسير القرآن العظيم ٣/ ١١٧٨.
(٥) ينظر: مدارج السالكين ١/ ٥٨٨.

<<  <   >  >>