للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بدر، وذهاب اليوم بما فيه (١)، وأجابوا عن أدلَّةَ من خَصَّ الآية بأهل بدر بأن قوله ﴿يَوْمِئِذٍ﴾ [الأنفال ١٦]، أي: يوم الزحف، المذكور في الآية قبلها، لا يوم بدر. وأما سبب النُّزول فالعبرة بعموم اللفظ، كما هو ظاهر في الآية والحديث. وأما قولهم: إن أهل بدر لو انحازوا لانحازوا إلى المشركين، لأنه لم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم. فليس بسديد؛ فقد كان بالمدينة إذ ذاك خلق كثير لم يأمرهم النبي بالخروج؛ لأنه ومن معه لم يكونوا يرون في ابتداءِ الأمر أنه سيكون قتال (٢). وأمَّا قول النبي : (أنا فئة المسلمين)، وكذا ما صَحَّ عن عمر فلا دليل فيه على عدم العموم؛ وإنما هو على جهة الحيْطَة على المؤمنين؛ إذ كانوا في ذلك الزمان يثبتون لأضعافهم مرارًا (٣)، وقد يكونوا أخذوا بالرخصة، فتأثَّموا لتركِ إخوانهم، والرغبة عن العزيمة والشهادة. (وأمَّا يوم أُحُد فإنما فَرَّ الناس من أكثرَ من ضِعفِهِم، ومَعَ ذلك عُنِّفُوا؛ لكون رسول الله فيهم، وفرارهم عنه، وأمَّا يوم حُنين فكذلك من فَرَّ إنما انكشفَ أمام الكثرة) (٤)، والرخصة في نحو ذلك معلومة.

وقد أجمع العلماء على تحريم الفرار يوم بدر، وأنه من الكبائر (٥)، ولكن النهي المطلق في الآية، وخبر النبي العام، لا يصح فيهما التقييد والتخصيص إلا بدليل (٦)، وقد قال ابن العربي (ت: ٥٤٣) عن الحديث السابق: (وهذا نَصٌّ في المسألة يرفع الخلاف، ويُبَيِّن الحكم) (٧).


(١) ينظر: أحكام القرآن، لابن العربي ٢/ ٣١٥، وفتح القدير ٢/ ٤٢٢.
(٢) ينظر: أحكام القرآن، للجصاص ٣/ ٦٣، وفتح القدير ٢/ ٤٢٢.
(٣) ينظر: الجامع لأحكام القرآن ٧/ ٢٤٣.
(٤) المحرر الوجيز ٢/ ٥١٠، وينظر: الروض الأُنُف ٤/ ٢١٦.
(٥) ينظر: الروض الأنف ٤/ ٢١٦، ونسب هذا القول لابن سَلاَّم في تفسيره.
(٦) ينظر: المغني ٩/ ٢٥٤، وشرح النووي على مسلم ١/ ٢٦٧.
(٧) أحكام القرآن ٢/ ٣١٦.

<<  <   >  >>