للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الآيات أثر الصلاة ومكانتها، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، نبه إلى أن ذكر الله عند المعصية أكبر وأبلغ أثرًا في النهي عنها، من نهي الصلاة عنها؛ لإمكان تكرر هذا الذكر أكثر من تكرر الصلاة، ثم إن الصلاة ذكرٌ لله، قال تعالى ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة ٩]، أي: صلاة الجمعة. وشُرِعت إقامةً لذكر الله وتحصيلًا له، كما قال تعالى ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه ١٤] (١)، فلذلك أورثت نهيًا عن الفحشاء والمنكر؛ لما فيها من ذكر الله ﷿. وكأنه لَمَّا أمر بأمرين من أعمال البر عظيمين: تلاوة القرآن، وإقامة الصلاة. نَبَّه على أصل ذلك وهو: ذكر الله، وما يتضمنه من الإيمان به على ما أمر وشرع، فكان أبلغ في الردع عن المعصية واقترافها (٢). قال ابن عطية (ت: ٥٤٦): (وعندي أن المعنى ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت ٤٥]، على الإطلاق، أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك، وكذلك يفعل في غير الصلاة؛ لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر مراقب .. ، والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في النهي، والذكر النافع هو مع العلم، وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله تعالى) (٣)، ويشهد لهذا القول قول ابن مسعود : قال رسول الله في قوله ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت ٤٥]: (ذكرُ الله على كل حال أحسن وأفضل، والذكر أن نذكره عند ما حَرَّم، فندع ما حَرَّم، ونذكره عند ما أحَلَّ، فنأخذ ما أحَلَّ) (٤).

وذهب ابن عباس إلى أن المُراد بالآية: ذكرُ اللهِ لمن يذكره، وأنه أكبر من ذكر العبد رَبَّه، وذلك أنه لمَّا ذكر تلاوة القرآن وإقامة الصلاة- وكلها من الذكر-، والله تعالى ذاكِرٌ من ذكره، كما قال تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة ١٥٢]، بَيَّن إثر ذلك أن ذكره لمن ذكره أعظم وأكبر من ذكر العبد له، وفي تعليل ذلك قالوا: لأن ذكر الله


(١) الأظهر أن اللام في قوله ﴿لِذِكْرِي﴾ [طه ١٤] للتعليل. ينظر: الوابل الصيب (ص: ١٧٨).
(٢) ينظر: البحر المحيط ٧/ ١٥٠، والتحرير والتنوير ٢٠/ ٢٦٠.
(٣) المحرر الوجيز ٤/ ٣٢٠.
(٤) أخرجه الثعلبي في تفسيره ٧/ ٢٨٢، من طريق جويبر، عن الضحاك، وإسناده ضعيف.

<<  <   >  >>