للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد استُبعِدَ تفسير أبي العالية (ت: ٩٣) بأنه: (السهو فيها؛ فلا يدري عن كم انصرف؟)، من جهةِ لفظ الآية؛ فإن في الآية ﴿عَنْ صَلاتِهِمْ﴾ [الماعون ٥]، وليس "في صلاتهم"، قال عطاء بن دينار (١) (ت: ١٢٦): (الحمد لله الذي قال ﴿عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون ٥]، ولم يقل: في صلاتهم ساهون) (٢)، وقد فَطِنَ لهذا الحسن (ت: ١١٠)، فأجاب أبا العالية حين ذكر تفسيره ذلك: (مَه يا أبا العالية ليس هذا!، بل الذين سهوا عن ميقاتهم حتى تفوتهم؛ ألا ترى قوله ﷿ ﴿عَنْ صَلاتِهِمْ﴾ [الماعون ٥]؟) (٣)، قال الخطابي (٤) (ت: ٣٨٨): (وإنما أُتِيَ أبو العالية في هذا حيثُ لم يُفَرِّق بين حرف "عن" و"في"، فَتَنَبَّه له الحسن) (٥)، والفرق بينهما أن السهو عن الصلاة يكون خارجها؛ بتركها، وقلة الالتفات إليها، وتأخيرها عن وقتها، كحال المنافقين مثلًا، والسهو فيها يكون داخلها؛ نحو ما يعتري المصلي من وساوس الشيطان، وحديث النفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم، وقد وقع نحوه لرسول الله ، ومن ثَمَّ أثبت الفقهاءُ باب سجود السهو في كُتُبهم (٦). وفي بعض طرق الاستدراك قال سعدٌ لابنه: (أوليس كُلُّنا يفعل ذلك؟) (٧)، وذكرَ النحاس (ت: ٣٣٨) قولَ أبي العالية هذا وقال: (وأولى من هذا القول؛ لعلُوِّ من قال


(١) عطاء بن دينار الهذلي مولاهم، أبو الرَّيَّان المصري، محدِّث صدوق، أرسلَ عن سعيد بن جبير صحيفةً في التفسير كتبها سعيد لعبد الملك بن مروان، مات سنة (١٢٦). ينظر: الكاشف ٢/ ٢٦٥، وتهذيب التهذيب ٣/ ١٠١.
(٢) جامع البيان ٣٠/ ٤٠٤، وتفسير ابن كثير ٨/ ٣٨٦٨.
(٣) بيان إعجاز القرآن (ص: ٣٢).
(٤) حمد بن محمد بن إبراهيم البستي، أبو سليمان الخطابي، إمام لُغوي فقيه محدث، صنف: معالم السنن، وغريب الحديث، وبيان إعجاز القرآن، توفي سنة (٣٨٨). ينظر: السير ١٧/ ٢٣، وطبقات الشافعية الكبرى ٣/ ١٨٢.
(٥) بيان إعجاز القرآن (ص: ٣٣).
(٦) ينظر: الكشاف ٤/ ٧٩٨، وأحكام القرآن، لابن العربي ٤/ ٣٤٢، والجامع لأحكام القرآن ٢٠/ ١٤٤.
(٧) مسند أبي يعلى ٢/ ٦٤ (٧٠٥).

<<  <   >  >>