للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه، فحملُ الحكمة في الآية على العقل مُجَرَّدًا لا يصح، من جهة أن العقل بلا دين لا خيرَ فيه، بل العاقل بلا دين والجاهل سواءٌ في عدم الانتفاع والاهتداء للحق والعمل به، ومثلُ ذلك غير ممدوح، قال مالك (ت: ١٧٩): (ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل ضعيفًا في أمر دينه، عاقلًا في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخَر ضعيفًا في أمر دنياه، عالمًا بأمر دينه، بصيرًا به، يؤتيه الله إياه، ويحرمه هذا، فالحكمة الفقه في دين الله)، فالعالم بأمر دينه هو مِمَّنْ آتاه الله الحكمة وإن كان ضعيف العقل والتدبير في أمر دنياه.

ومن ثَمَّ فقول زيد (ت: ١٣٦) في تفسير الحكمة وإن كان صحيحًا لُغةً، إلا أنه ضعيفٌ تفسيرًا؛ لقصور معناه عن اشتمال وصف الخيرية الأعظم الممدوح في لفظ الحكمة وهو: الفقه في الدين والعمل به، والصواب قول مالك (ت: ١٧٩) لصحته في اللغة، ولأنه أعمُّ في المعنى، ولشواهد هذا المعنى المتوافرة من الكتاب والسنة، بل لم يَرِد العقل مُجَرَّدًا معنىً للحكمة في القرآن الكريم (١)، إذ ما كُلُّ عاقلٍ بحكيم، كما أن العقل الممدوح في كتاب الله هو ما كان طريقًا للتدبر، وموصلًا للحق والاهتداء، لا ما عَرِيَ عن ذلك، قال تعالى ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ٢٤٢]، وقال ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران ١١٨]، وقال ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف ٢]، والعاقل بلا هداية كغير العاقل سواء، قال تعالى ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ١٧١]، وقال ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك ١٠].

وقد اتفقت كلمة المفسرين (٢) على قول مالك (ت: ١٧٩) كما سبق. (٣)


(١) ينظر: الأشباه والنظائر، لمقاتل (ص: ١١١)، وتحصيل نظائر القرآن (ص: ١٠٧)، والوجوه والنظائر، للدامغاني (ص: ١٧٤)، ونزهة الأعين النواظر (ص: ٢٦٠).
(٢) ينظر: الوسيط ١/ ٣٨٣، وتفسير ابن كثير ٢/ ٦٤٣.
(٣) وينظر: جامع البيان ٣/ ١٢٥، ومعاني القرآن، للنحاس ١/ ٢٩٨، وتفسير القرآن العزيز ١/ ٢٦٠، والوسيط ١/ ٣٨٣، والوجيز ١/ ١٨٩، والمحرر الوجيز ١/ ٣٦٤، والكشاف ١/ ٣١١، وقانون التأويل (ص: ١٥٢)، والتفسير الكبير ٧/ ٥٩، والجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢١٤، وأنوار التنْزيل ١/ ١٤٥، والإشارات الإلهية ١/ ٣٦٢، والبحر المحيط ٢/ ٣٣٤، ومدارج السالكين ٣/ ٣٥٠، وتفسير ابن كثير ٢/ ٦٤٣، وفتح القدير ١/ ٤٩١، وروح المعاني ٣/ ٥٦، وتيسير الكريم الرحمن ١/ ٢٠٢، والتحرير والتنوير ٣/ ٦١، وتفسير ابن عثيمين ٣/ ٣٥١.

<<  <   >  >>