للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن ثَمَّ فإن تفسير الظلم في هذه الآية بالشرك هو المتعيّن؛ لوروده عن النبي صحيحًا صريحًا، وقد نَصَّ العلماء على وجوب الأخذ بما هذا سبيله من التفسير عن رسول الله ، قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (وإن كان الله- جل ذكره- قد أخبر عباده أنه قد جعل القرآن عربيًّا، وأنّه أنزله بلسان عربي مبين، ثم كان ظاهره محتملًا خصوصًا وعمومًا، لم يكن لنا السبيل إلى العلم بما عنى الله- تعالى ذكره- من خصوصه وعمومه إلا ببيان من جُعِل إليه بيان القرآن؛ وهو رسول الله (١)، وقال ابن العربي (٢) (ت: ٥٤٣) عند هذه الآية: (وبعد تفسير النبي فلا تفسير، وليس للمُتَعَرِّضِ إلى غيره إلا النكير) (٣)، وقال ابن تيمية (ت: ٧٢٨): (ومما ينبغي أن يُعلم، أن القرآن والحديث إذا عُرِف تفسيره من جهة النبي ، لم يُحتَج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة؛ فإنه قد عُرِف تفسيره، وما أُريد بذلك من جهة النبي فلم يُحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم) (٤).

وقد هُدِيَ الصحابة في ذلك لأحسن الهدي؛ فلم يُعرَف عن أحد منهم مُراجعة رسول الله في ذلك، بل استقام تفسيرهم بعد ذلك على بيان رسول الله (٥).


(١) جامع البيان ١/ ٢٤، وينظر منه: ١/ ٥٢.
(٢) محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي، أبو بكر المعافري الأندلسي الإشبيلي المالكي، الحافظ المفسر، صَنَّفَ: أحكام القرآن، وقانون التأويل، وغيرهما، توفي سنة (٥٤٣). ينظر: شذرات الذهب ٦/ ٢٣٢، وشجرة النور الزكية ١/ ١٩٩.
(٣) أحكام القرآن ٣/ ٨٨.
(٤) مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٧، و ٧/ ٢٨٦. وينظر: التسهيل ١/ ١٧، ٢٠، والبحر المحيط ٤/ ١٧٦، وإيثار الحق على الخلق (ص: ٣٨١).
(٥) لم أجد في الصحابة من فسرها بغير الشرك، إلا ما رُوِيَ عن علي بن أبي طالب ، أنه قال: (هذه الآية لإبراهيم خاصة، ليس لهذه الأمة منها شيء). ينظر: جامع البيان ٧/ ٣٣٦، وتفسير ابن أبي حاتم ٤/ ١٣٣٣، ومستدرك الحاكم ٢/ ٣٤٦. وعلى هذا المعنى فليس في عموم لفظ الظلم فيها إشكال، إذ المقصود بها نبي معصوم ، ولكن هذا المعنى لا يُساعد عليه التفسير النبوي الصريح الذي لا قول بعده، كما أنه رُوِيَ عن علي ما وافق فيه النص النبوي وجمهور الصحابة. ينظر: تفسير السمعاني ٢/ ١٢١.

<<  <   >  >>