للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مجانبة الصواب في التفسير إذا أوقع صاحبه في الدخول على المعاني القرآنيةِ بمقررات سابقة تؤثّر في اختيار المعاني، كما قال ابن مسعود : (ما تَنْتَكِتُ اليهوديَّة في قلبِ عبدٍ فكادت أن تفارقه) (١). أو إذا حمل صاحبه على عدم الاهتمام بطرق التفسير الأخرى كاللغة والسياق وأسباب النُّزول ونحوها، والمبادرة إلى حمل القرآن على أخبار أهل الكتاب دون استيعاب وجوه التفسير الأخرى.

ويلاحظُ في هذه الأسباب كثرتُها وتنوُّعها، وهي في الجملة مُتَفرِّعةٌ عن أمرين رئيسيَّين:

الأول: القُصُورُ في أهْلِيَّةِ المُفَسِّرِ، وعدم تمكنه من تحقيق ما هو بصدده.

والثاني: القُصُورُ في تَطْبِيقِ القَواعِدِ الشَّرعِيَّةِ والعِلْمِيَّة الحَاكمةِ لهذا العِلم، والضابطةِ لأصوله، والمبيِّنةِ لمنهجه في البيان والاختيار والترجيح. (٢)

وبهذا يتبين أثر الاستدراكات في إبراز هذا الجانب من جوانب علم التفسير، ومدى اهتمام مفسري السلف بالإشارة إليه تصريحًا وتلميحًا، ودِقَّتهم في تحديده في كل موضع، مع حسن الإشارة والأدب في تنبيه من وقع فيه، والزجر والإغلاظ على من استحقه من معاند أو مكابر.

والمتأمِّلُ لهذه الأسباب وما أدَّت إليه من أخطاءَ وانحرافاتٍ في التفسير في القرون المفضلة الأولى، يجدها تتكرَّرُ أسبابًا لكلِّ الأخطاءِ والانحرافات الواقعة في التفسير بعد تلك القرون، فما من خطأٍ وانحرافٍ في تفسير آيةٍ وقع بعد عهد السلف إلا وله مثالٌ سابق في ذلك العهد، أشار علماؤهم إليه، ونبَّهوا عليه، وحَذَّروا منه،


(١) جامع البيان ٢٢/ ١٧٤.
(٢) وينظر: مقدمة جامع التفاسير (ص: ٣٩)، وقانون التأويل (ص: ٣٦٨)، ومجموع الفتاوى ١٣/ ٣٤٤، ٣٥٥.

<<  <   >  >>