للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المُتَضّمِّنِ لأكثَرَ من رأي؛ فإنها بِهذه الصورة تحتوي عَدَدًا من مسائل التفسير بالرأي، وتوضحُ جانبًا من هديِ السلف فيه، ومن هذه المسائل:

أولًا: انحصرَ موضوع التفسير بالرأي عندهم في نوعٍ من التفسير لا يتعدَّاهُ إلى غيره؛ وهو ما يَصِحُّ فيه إعمال الرأي والنظر، وبيانُ ذلك أنَّ تفسيرَ كُلِّ مُفَسِّرٍ يرجِعُ إلى أحَدِ نوعين:

الأول: ما جِهَتُه النقل، كأسباب النُّزول، وقصص الآي، والمُغَيَّبات، وكُلُّ ما لا يتطَرَّق إليه الاحتمال، كاللفظ الذي ليس له غيرَ معنىً واحد في لغة العرب. وهذا النوع لا مجالَ فيه لإعمال المفسر رأيَه.

والثاني: ما جِهَتُه الاستدلال، وهو كُلُّ ما تطَرَّق إليه الاحتمال، فيدخُلُه رَأيُ المُفَسِّر ونَظَرُه واستنباطُه؛ لأن توجيه المعنى إلى أحدِ المُحتملات دون غيره إنما هو برأي من المفسر. وهذا النوع هو موضوع التفسير بالرأي ومجاله. (١)

ولذلك اشتَدَّ نكيرُ السلف على كُلِّ قولٍ خارجٍ عن هذا المجال، كما في الاستدراكات (٩، ٣٣، ٣٥، ٣٨، ٦٨) (٢).

ثانيًا: التزم تفسير السلف بالمحمود من الرأي؛ وهو ما استند إلى علم صحيح (٣)، ومن النادر في تفاسيرِهم وجود رأيٍ مبعثُه جهلٌ أو هوى، ومن وقع في شيء من ذلك فعن خَطأٍ منه لا يُقَرُّ عليه، ومن وقع فيه قاصِدًا تتابع عليه الإنكارُ


(١) ينظر: البرهان في علوم القرآن ٢/ ١٨١.
(٢) وينظر: تفسير ابن المنذر ٢/ ٧٩٠ عن عمر بن الخطاب ، والدر ٤/ ٣٣٢ عن عثمان بن عفان ، وجامع البيان ٦/ ٣١٠ عن ابن عباس ، والكشف والبيان ٦/ ١٦، والدر ٥/ ٢٧٧ عنه أيضًا، ومرويات الإمام أحمد في التفسير ٢/ ١٢٢.
(٣) ينظر: قانون التأويل (ص: ٣٦٦)، وإعلام الموقعين ٢/ ١٤٩، والموافقات ٤/ ٢٧٧، والتيسير في قواعد علم التفسير (ص: ١٤٠).

<<  <   >  >>