رابعًا: نَشَأَتْ الاستدراكاتُ في التفسيرِ مع أوَّلِ نَشْأَةِ التفسيرِ وظهورِه؛ فإنها طريقةٌ مُعتَبَرةٌ في بيان المعاني وإيضاحها، بل كان هذا الأسلوب من أفضل أساليب الردِّ والتصحيح، بعد البيان والتوضيح الذي يَتَوَخَّاهُ المفسِّرُ بأساليبَ كثيرة.
خامسًا: اعتمدَ السلفُ كثيرًا على هذا النوع من البيان في الكشف عن معاني القرآن وتصحيحها.
سادسًا: كان أوَّلُ ظهور الاستدراكات في هذا العلم: في بيان رسول الله ﷺ لمعاني القرآن الكريم، فقد أخذ هذا الأسلوب بِحَظِّهِ من البيان النبوي، ومن ثَمَّ صارَ منهجًا مُتَّبَعًا في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومَنْ بعدهم من أئِمَّة المفسرين؛ اقتداءًا بالهدي النبوي في ذلك، وأخذًا بفوائد هذا الطريق وعوائده الجليلة في التفسير.
سابعًا: أصبحت الاستدراكاتُ سَمتًا عامًّا في كتب التفسير المتوسطةُ والموَسَّعَة دون المختصرة، وصارت دليل تمكُّنٍ واقتدارٍ من المفسر في علمه، لما فيها من النقل والتحليل، والتصحيح والاختيار، ولا يتيسر هذا لِنَقَلَةِ التفسير غير المتبحرين فيه.
ثامنًا: كُلَّما اشتهرَ كتابٌ في التفسير، وعظُمَ اهتمامُ الناس به، كثَرت الاستدراكات والتَّعَقُّبات عليه، ومن أظهرِ الأمثلة على ذلك تفسير:"جامع البيان عن تأويلِ آيِ القرآن" لابن جرير الطبري (ت: ٣١٠)﵀.
تاسعًا: تنوعت الاستدراكات باعتبار قائليها، وموضوعاتها، وأغراضها في تفاسير السلف تنوُّعًا ظاهرًا، فبالنظر إلى قائليها كان منها الاستدراكات النبويَّة، واستدراكات الصحابة على بعضهم، وعلى قولٍ مُطلَقٍ لم يُعَيَّن قائِلُه، وعلى التابعين. وكذا استدراكات التابعين على الصحابة، وعلى بعضهم، وعلى قولٍ مُطلَقٍ، وعلى أتباعهم. ثم كانت استدراكات أتباع التابعين على سَنَنِ استدراكات التابعين. وكان من موضوعاتها الاستدراكات في معاني الآيات وأحكامها وقراءاتها.