للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الموضع الواحد، في حين أن كُلًا منهما فَسَّرَ قراءةً غيرَ الأُخرى (١) - فإن المعنى على قراءة عائشة : يعملون ما عَملوا، وعلى قراءة الجمهور: يُعطُون ما أَعطوا. (٢)

وأجابت عائشة عن القراءة الأُخرى بقولها: (كانوا أعلم بالله من أن توجل قلوبهم) (٣) أي: بسبب الطاعة؛ فإنها مبعث الطمأنينة، والمؤمن لا يَوجَل بطاعته لِرَبه، وإنما يَطمَئِنُّ بها، وبما يَخلُفُه منها، قال الفراء (ت: ٢٠٧): (تعني به الزكاة، تقول: كانوا أتقى لله من أن يُؤتوا زكاتهم وقلوبُهُم وَجِلة) (٤). وجواب عائشة هنا يُبقِي نوعًا واحدًا من نَوْعَي العمل المُحتَمَلين في قراءتها، وهو العمل الفاسد؛ الذي مَثَّلتْ له في حديث الاستدراك: بالسرقة والزنا وشرب الخمر، ومُعتَمَدُها في ذلك امتناع أن تكون الطاعة من المؤمن سببًا لِوَجَل قلبه، وعدم طمأنينته، وإنما الأَولى بذلك أهل المعصية والفجور، في اضطراب قلوبِهم، وخوفهم سوءَ عاقبتهم.

ويجيء البيان النبوي الكريم لِهذه الآية مُبَيّنًا أن المُراد هنا: من يَعمَل العَمَل الصالح- ومنه الصدقة والزكاة- وهو يخاف ألاَّ يُقبَلَ منه. وبهذا المعنى يتّسق ظاهر الآية، وسياق الكلام، قال ابن العربي (ت: ٥٤٣): (ظاهر الآية وسياق الكلام يقتضي أنه يُؤتِي الطاعة؛ لأنه وَصَفَهم بالخشية لربهم، والإيمان بآياته، وتنْزيهه عن الشرك، وخوفهم عدم القبول منهم عند لقائِه لهم، فلا جَرَمَ من كان بهذه الصفة يُسارع في الخيرات، وأمّا من كان على العصيان متماديًا، في الخِلاف مُستَمِّرًا، فكيف يُوصَف بأنَّه يُسارع في الخيرات، أو بالخشية لِرَبه، وغير ذلك من الصفات المتقدمة فيه!) (٥).


(١) ينظر في التنبيه على ذلك: الإتقان ٢/ ٣٦٥، والدر المنثور ٧/ ٤٧٥، ٨/ ٤٦٣.
(٢) ينظر: معاني القرآن، للنحاس ٤/ ٤٦٩، والمحتسب ٢/ ١٣٨.
(٣) معاني القرآن، للفراء ٢/ ٢٣٨.
(٤) معاني القرآن ٢/ ٢٣٨.
(٥) أحكام القرآن ٣/ ٢٤٤.

<<  <   >  >>