للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فحينما يُقال مثلًا: "الصحيحُ موقوفٌ" فالمعنَى أنَّ الحديث لا يصح إلا موقوفًا، وحين يُقال: "الصحيحُ مُرْسلٌ" فالمعنى أنَّ الحديثَ لا يصح إلا مُرْسلًا، وهذا كُلُّهُ لا علاقة له بصحة الحديث سواء أكان مَرْفوعًا أم موقوفًا، مُتصلًا أم مُرسلًا، وهلم جرًّا.

١٠ - وكان من وُكْدنا إثبات النَّص الذي جاءَ عن المؤلِّف وإن كان خطأ، فتحقيقُ النُّصوص إنما يَسْعَى إلى تقديم النَّصِّ المُطابق لما كَتَبهُ مؤلِّفه ما استطاعَ المحققُ إلى ذلك سبيلًا، وحينَ يتحققُ للمحققِ المُدقق ثبوت نصٍّ أو رواية لراوٍ ما أو مؤلف ما، فإنَّ واجب المُحقق يحتِّم عليه إثباتَ ذلك النَّص أو تلك الرِّواية وإن كانَ غَلَطًا والتَّعْليق عليه لبيان الصِّحة، فالهامش ملك المُحقق.

نقول ذلك بعد أن رأينا كثيرًا من المُحققين يُعْنَون بتصحيح بعض ما يقعُ فيه المؤلفون من أخطاء، أو يتغاضَوْنَ عَمَّن صَحَّحَ النصَّ بعدَ المؤلف من الرُّواة أو النُّساخ من غير إشارة أو تَنْبيه، فيثبتون ما يرونَهُ صحيحًا من غير اعتبارٍ أو تحقيق لما رَوَاه الرَّاوي أو دَوَّنَهُ المؤلف، ويكثرُ هذا عند أغمار المُحققين الذين لا يُحْسِنُون هذا العلمَ ولم يَبْذلوا فيه جُهدهم ولا استنفدوا وسْعَهُم. وهو بلا شك أمرٌ وَبيلٌ مَرْتعه، فظيعٌ نتائجه، عاقبتُه تقويل أُناسٍ ما لم يَقُولوه، وتبرئةُ بعضِ الرواة أو المؤلفين من الخَطأ والزَّلل، وإلصاقُه بغيرِهم ممن نَبّه على هذا الخطأ، مع أنَّ الخطأ من الأمور الجِبِلِّيةِ في الإنسان، إذ لا أحدَ معصومٌ منه سوى الأنبياء والمُرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتم التَّسْليم.

ومثلُ ذلك أيضًا الجَمْع بين الرِّوايات المُخْتلفة للكتب المتقدِّمة عند التَّحقيق، فحينما يُحققُ المُحققُ "سُنن" أبي داود مثلًا من روايةٍ ابن داسَةَ لا يحق له أن يزيدَ عليها من الرِّوايات الأُخرى، لأنَّ كُلَّ روايةٍ تكوِّن نصًّا مُستقلًّا. ولنا في "موطإ" إمام دار الهجرة مالك بن أنس أحسنُ مثال، فقد رَوَى عنه "الموطأ" عشرات الرُّواة، والروايات تختلفُ الواحدة عن الأُخرى ترتيبًا، وألفاظًا، وزيادةً ونَقْصًا، وصحةً وسقمًا، ومن ثَمَّ نُسِبَ كُلّ "موطإ" إلى راويه، وأصبحَ من العَبَث عند التحقيق جمع هذه الرِّوايات على صعيدٍ واحد، وللدكتور بشار عواد معروف كتابٌ في هذا المعنَى عنوانه "تحقيق النصوص بين أخطاء المؤلفين وإصلاح الرواة والنُّساخ والمحققين"، فيه توضيح لما أُجمل هنا (١).


(١) نشرته دار الغرب الإسلامي، تونس ٢٠٠٩ م.