فبينا رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم يكتب الكتاب، إذ جاءه أَبو جندل بن سهيل بن عَمرو في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قال: وقد كان أصحاب رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح، لرؤيا رآها رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا أن يهلكوا، فلما رأى سهيل أبا جندل، قام إليه فضرب وجهه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا، قال: صدقت، فقام إليه فأخذ بتلبيبه، قال: وصرخ أَبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني، قال: فزاد الناس شرا إلى ما بهم، فقال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله، عز وجل، جاعل لك، ولمن معك من المستضعفين، فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم، قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه، قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، قال: فضن الرجل بأبيه، ونفذت القضية، فلما فرغا من الكتاب، وكان رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم يصلي في الحرم، وهو مضطرب في الحل، قال: فقام رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فقال: يا أيها الناس، انحروا واحلقوا، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل، ثم عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فدخل على أُم سلمة، فقال: يا أُم سلمة، ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم لا يكلم أحدا، حتى أتى هديه فنحره، ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون
⦗٣٣٢⦘
ويحلقون، قال: حتى إذا كان بين مكة والمدينة، في وسط الطريق، فنزلت سورة الفتح» (١).