للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومما لا شكَّ فيه أنَّ الطُّرق التَّالفة والواهية، أو التي وقعَ فيها الغَلَطُ الفاحش، أو الشُّذوذ البَيِّن، أو النَّكارة الشديدة، أو الأسانيد المركبة على أحاديثَ صحيحةٍ، أو الأسانيد المركَّبة على متون مُنْكرة، أو الموضوعات من أحاديث الكذَّابين والمتروكين والهَلْكى قد أُهْمِلت من قبلهم، ولم يَدْخل معظمها في كُتُبهم المصنَّفة أو مجاميعهم المُبَوَّبة، سواء أكانت مُصَنَّفات أم مسانيد، أم جوامع، أم سُننًا. وللقارئ أن يتصوَّرَ الجُهْد الهائل الذي بذلَهُ هؤلاء الأئمة الجهابذة في تَصْفيَة هذه الطُّرق والمتون، حينما يعلم مثلًا أنَّ الإمامَ أحمد أخرجَ مُسْنَده من جملةِ سَبْع مئة ألف حديث (١)، وأنَّ مُسْنَده بحدود الثلاثين ألف طريق فقط، وأنَّ البخاري أخرجَ كتابَه "الصَّحيح" من زُهاء ست مئة ألف حديث (٢)، وأحاديثه بالمكرر بحدود السبعة آلاف وخمس مئة حديث فقط، وذكر مسلم بن الحجاج أنه صَنَّف "صحيحَهُ" من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة (٣)، وكتب يحيى بن مَعِين ست مئة ألف حديث (٤)، والرِّوايات في هذا الأمر معروفةٌ متواترةٌ.

على أنَّ الفَرْقَ بين المُتَقدمين والمتأخرين أنَّ المتقدمين كَتَبوا عن بعض الكَذَّابين والهَلْكى، والضُّعفاء، والمتروكين، فوجدوا أحاديثهم مما لا يجوز تدوينُها في الكُتُب، إما لمعرفتهم بأنَّ هذا ليس من كلام النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لأنَّ فيها من الغَلَط الفاحش في الأسانيد أو المتون ما يتعين أن يُرْمى بها، فكان ذلك الانتقاء وكانت تلك الغَرْبلة الواسعة التي عَبَّر عن بعضها الإمام يحيى بن معين بقوله: "كَتَبنا عن الكَذَّابين وسَجَرنا به التنور، وأخرجنا به خبزًا نضيجًا" (٥).

وهكذا يتضحُ أنَّ المتقدمين قَلَّما تركوا حديثًا صَحيحًا أو حَسَنًا أو ضعيفًا يمكن أن يُوضعَ في الكتب المؤلَّفة في هذه المُدَّة إلا ودَوَّنوه، واستنادًا إلى ذلك فإنَّ الموارد المكوِّنة لهذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل" قد احتوت على الأحاديث التي ارتضاها


(١) ابن رجب: الذيل ١/ ١٣٠.
(٢) تاريخ الخطيب ٢/ ٣٢٧.
(٣) نفسه ١٥/ ١٢٢.
(٤) نفسه ١٦/ ٢٧٠.
(٥) نفسه ١٦/ ٢٧٣، وتنظر مقدمة تاريخ الخطيب ١/ ١٦٨ - ١٦٩.