المتقدِّمون. أمّا الحديث الذي لا يُوجد فيها وظهرَ في الكُتُب المتأخرة فهو لا يَعْدُو أن يكون مما تركه المتقدِّمون أو هو مما وضعَهُ الوَضَّاعون الكَذَّابون إلا القليل النَّادر، فالسُّنَّة لا تذهبُ عن عامة هؤلاء الأئمة الأعلام وهم من خير القرون، ومن ثم صارَ هذا "المُسند" موسوعةً شاملةً للسنة النَّبوية الشَّريفة.
٢ - ومما يزيدُ في قيمة هذا العَمَل العلمي الرَّصين ويُعْليه الخطة الموضوعة في تَصْنيفه وتحقيقه كما وَضَّحناه في المَنْهج الذي قامَ عليه؛ تخريجٌ مستوعبٌ دقيقٌ يُظْهِرُ المتابعات ويُعَيّن المَدَارَ، وسياقةٌ لجميع المُتُون المختلفة للحديثِ الواحد، وإيرادٌ للروايات المُخْتَلفة إسنادًا ومَتْنًا، ثم مجموعةٌ من الفوائد من بيانٍ للعِلَل الظاهرة والخَفِيّة، وآراء الجَهَابذة في هذا الحديث إسنادًا ومَتْنًا، جَرْحًا وتعديلًا، تَصْحيحًا وتَضْعيفًا، فضلًا عن عنايةٍ بتوضيح كُلِّ مُبْهَمٍ ومُجْمَلٍ، وبتصريح المُدَلِّسين بالسَّماع ونحو ذلك من الفوائد المذكورة.
٣ - لقد كان الباحثونَ في السُّنة النبوية يَلْقون نَصَبًا في تَتَبُّع عِلل الحديث في كُتُب العِلل وأحوال الرِّجال، وهي بالغةُ الكَثْرة، كثيرةُ التَّعْقيد، وربما يَفُوت على البارعِ المتمكِّن الشيءُ يعد الشيءِ، على الرُّغم من معرفته وتمكنه من هذا العلم الدَّقيق، كما وقعَ لنا ولغيرنا في تحقيقاتنا وحُكْمِنا على الأحاديث، بَلْه أولئك الذين لا يُعْنون العنايةَ التامةَ بالعِلَل الخَفِية فيغفُلون عنها ويَحْكمون على ظاهرِ الأسَانيد من غير تدقيقٍ في الشُّذوذ والعِلَل التي تقعَ عند الثقات.
أما اليوم، وبفضلِ الله أولًا وتأييدِه وتَسْديده، ثم بفضلِ هذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل"، فإنَّ الأمرَ صارَ مَيْسورًا ومُتاحًا لكلِّ مُشتغلٍ بالحديث النَّبوي الشَّريف، قد جُمِعت له هذه المادة من بُطون العديد في الكُتُب المطوَّلة، والتُقِطَت بكُلِّ دقةٍ من كُتُب السُّؤالات، وكُتُب الرِّجال العامة، وتلكَ المعنية بالثِّقات والضُّعفاء وغيرها مما كانَ الوقوف عليه في الغاية من العُسْر، فأُلْحِقت إثر كُلّ طريق من طُرُق الحديث، فصارت دراسة الحديث إسنادًا ومتنًا يسيرة إن شاءَ اللهُ تعالى.
وإيرادُ جميع ما وُجِدَ عن كُلِّ حديث من عِلَلٍ وفَوَائدَ أُخرى هو وحدَه غايةٌ طالما تمنيناها ورجوناها في خِدْمتنا لسُنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فحَقَّقَ اللهُ سبحانه هذا الرَّجاء