وأصبحَ حقيقةً مُدَوَّنةً في هذا الكتاب الذي لو لم يكن فيه إلا هذا لكانَ وحده كافيًا لتميُّزه عن بابته من الكُتُب، ويكون حَسْرةً على من لم يقتنه.
٤ - ومع أنَّنا أوردنا أقوال العُلماء وآراءَهُم في الأحاديث وتركنا الحُكم للقارئ الباحث الذي هُيِّئت له هذه المادة قَبُولًا وَرَدًّا، بيانًا وتَوْضيحًا، فإننا وجدنا في بعض الأحيان ضرورة تَوْضيح بعضِ العِلَل التي قد يُظن أنها تَطْعن في صحة الحديث، ذلك أن الكثير من العِلل مما لا يَقْدح في صحة الحديث، كان تكون العِلّة في راوٍ ضعيف، لكنه قد تابعَ الثقات الذين رووا الحديثَ سَنَدًا ومتنًا، فيكون ذلك من صحيح حديثه بحيث لو حُذف هذا الرَّاوي لبقي الحديث صحيحًا من الطُّرق الأخرى. وقد كان البخاريُّ رحمه الله يَنْتَقِي الشيءَ بعد الشيء من أحاديث رجال مُتَكلَّم فيهم بما تابَعُوا الثقات عليه سَنَدًا ومتنًا.
ومن ذلك أيضًا أنّنا ردَدْنا في الشيءِ بعد الشيء على بعض مَن ساق عِلَلًا غيرَ قادحة، إما بإيراد أقوال العلماء الذين ردُّوا هذه العلة، أو من عندنا نحن، ومن ذلك تعقبات على كبار الأئمة من مثل يحيى بن مَعِين، وأبي داود، وأبي حاتِم الرَّازي، والدَّارَقُطني وغيرهم، ولم يكن من وُكْدنا الاستقصاء، لكننا قدمنا نماذج تُحْتَذَى لمن تطلّع إلى مثل هذا الأمر.
فمن أمثلةِ ذلك قول عباس الدُّوري: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عبد الوَهّاب الثَّقفيّ، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قِلَابة، عن أنس؛ أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بلالًا أن يشفع الأذَان، ويُوتر الإقامة.
قال يَحيَى: لم يرفعه غير عَبد الوَهَّاب، وقد رواه إسماعيل، ووُهَيب، فلم يرفعاه.
"تاريخه"(٤٣٢٠).
فقلنا: قول ابن معين هذا فيه نظر، فقد رفعه غير عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قِلَابة، عن أنس، منهم: سِمَاك بن عَطية، وعَبد الوارث بن سَعيد. بل رواه إسماعيل بن إبراهيم، ووهيب، عن أيوب، مرفوعًا، كما هو في مصادر تخريج الحديث (١).
ومنه ما عَلَّقنا عليه من حديث يحيى بن يَعْمَر، عن عائشة زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنها أخبرته أنَّها سألت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطَّاعون ... الحديثَ، بعد نَقْلِنا قولَ الدُّوري: