فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا تِلْكَ بِخَيْرٍ شِبَاعًا رِوَاءً، وَقَدْ نَامَ صِبْيَانُنَا، قَالَتْ: يَقُولُ أَبُوهُ، تَعْنِي زَوْجَهَا: وَاللهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أُرَاكِ إِلَّا قَدْ أَصَبْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَدْ نَامَ صَبِيُّنَا وَرَوِيَ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا، فَوَاللهِ لَخَرَجَتْ أَتَانِي أَمَامَ الرَّكْبِ قَدْ قَطَعَتْهُنَّ حَتَّى مَا يَبْلُغُونَهَا، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ:
⦗٢٠٣⦘
وَيْحَكِ يَا بِنْتَ الحَارِثِ، كُفِّي عَلَيْنَا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَتَانِكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ: بَلَى وَاللهِ، وَهِيَ قُدَّامَنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ حَاضِرِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَقَدِمْنَا عَلَى أَجْدَبِ أَرْضِ اللهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ حَلِيمَةَ بِيَدِهِ، إِنْ كَانُوا لَيَسْرَحُونَ أَغْنَامَهُمْ إِذَا أَصْبَحُوا، وَيَسْرَحُ رَاعِي غَنَمِي، فَتَرُوحُ غَنَمِي بِطَانًا لُبَّنًا حُفَّلًا، وَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا هَالِكَةً مَا بِهَا مِنْ لَبَنٍ، قَالَتْ: فَنَشْرَبُ مَا شِئْنَا مِنْ لَبَنٍ، وَمَا مِنَ الحَاضِرِ أَحَدٌ يَحْلُبُ قَطْرَةً وَلَا يَجِدُهَا، يَقُولُونَ لِرُعَاتِهِمْ: وَيْلَكُمْ، أَلَا تَسْرَحُونَ حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي حَلِيمَةَ، فَيَسْرَحُونَ فِي الشِّعْبِ الَّذِي يَسْرَحُ فِيهِ رَاعِينَا، فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا هَالِكَةً مَا بِهَا مِنْ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي لُبَّنًا حُفَّلًا، قَالَتْ: وَكَانَ صَلى الله عَليه وسَلم يَشِبُّ فِي اليَوْمِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي الشَّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي سَنَةٍ، فَبَلَغَ سِنًّا وَهُوَ غُلَامٌ جَفْرٌ، قَالَتْ: فَقَدِمْنَا عَلَى أُمِّهِ، فَقُلْنَا لَهَا: وَقَالَ لَهَا أَبُوهُ: رُدُّوا عَلَيْنَا ابْنِي فَلْنَرْجِعْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ، قَالَتْ: وَنَحْنُ أَضَنُّ بِشَأْنِهِ لِمَا رَأَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ، قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى قَالَتِ: ارْجِعَا بِهِ فَرَجَعْنَا بِهِ، فَمَكَثَ عِنْدَنَا شَهْرَيْنِ، قَالَتْ: فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ وَأَخُوهُ يَوْمًا خَلْفَ البُيُوتِ يَرْعَيَانِ بَهْمًا لَنَا، إِذْ جَاءَنَا أَخُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: أَدْرِكَا أَخِي القُرَشِيَّ، قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ فَأَضْجَعَاهُ فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَخَرَجْنَا نَحْوَهُ نَشْتَدُّ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ مُنْتَقِعٌ لَوْنُهُ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ وَاعْتَنَقْتُهُ، ثُمَّ قُلْنَا: مَا لَكَ أَيْ بُنَيَّ؟ قَالَ أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي ثُمَّ شَقَّا بَطْنِي، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا، قَالَتْ: فَاحْتَمَلنَاهُ فَرَجَعْنَا بِهِ، قَالَتْ: يَقُولُ أَبُوهُ: وَاللهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَى هَذَا الغُلَامَ إِلَّا قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهِ مَا نَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute