والحمـ[ـد لله حق] حمده وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم.
أما بعد، فإن خير ما قطع به الوقت، وشغلت به النفس، فتقرب به إلى الرب -جلت عظمته - طلب علم أخرج من ظلمة الجهل إلى نور الشرع، واطلع به على عاقبة محمودة يعمل لها، وغائلة مذمومة يتجنب ما يوصل إليها. وليس ذلك إلا العلم الذي يصلح الاعتقاد ويخصله من الأهواء، ويصلح الأعمال ويصفيها من الأدواء. وهما علمان: علم الأصول، ومبناه على التأمل والاعتبار؛ وعلم الفقه، ومبناه على استخراج معاني الألفاظ الشرعية وأخذ الأحكام من المنطوق به للمسكوت عنه. وذلك الذي شغلت به نفسي وقطعت به وقتي. فما أزال أعلق ما استفيده من ألفاظ العلماء، ومن بطون الصحائف، ومن صيد الخواطر التي تنثرها المناظرات والمقابسات في مجالس العلماء ومجامع الفضلاء، طمعًا في أن يعلق بي طرف من الفضل أبعد به عن الجهل، لعلي أصل إلى بعض ما وصل [إليه] الرجال قبلي؛ ولو لم يك من فائدته عاجلًا إلى تنظيف الوقت عن الاشتغال برعونات الطباع التي تنقطع بها أوقات الرعاع. وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.