فاستدل فيها حنفي، وهو القاضي الإمام الموفق أبو الفوارس بن الموصلي، بما روي عن النبي صلع أنه لما استشهد سعد بن معاذ قال النبي صلع ((قوموا بنا نغسله قبل أن تسبقنا إلى غسله الملائكة، كما سبقتنا إلى غسل حنظلة [بن] الراهب)). فوجه الدلالة أنه قد ثبت بإجماعنا أن الشهيد لا يغسل غسل الموت. فلم يبق إلا أن النبي صلع سابق إلى غسله لأمرٍ يوجب الغسل عن الموت. وليس على الرجل غسل غير غسل الموت، إلا غسل الجنابة. فثبت وجوب غسله عن الجنابة، وأنه لا تمنع منه الشهادة ولا تغني عنه. لاسيما مع قوله ((كما سبقتنا إلى غسل حنظلة)). وما كان غسل الملائكة لحنظلة إلا لأجل الجنابة. لأنه لما رأى الملائكة تغسله، أنفذ إلى أهله فسألهم، فقالوا إنه خرج جنباً.
فاعترض عليه حنبلي محقق، مع كون مذهبه كمذهب المستدل، لكن نصر الشافعي تذنيباً، فقال: هذه القضية لا حجة فيها. لأن سعداً ارتث ومرض؛ ومضى النبي صلع يعوده. وروي في التواريخ أنه بقي شهراً في بيته يعاد. وكوي عرق الأكحل، ولم ينتفع بكيه، ومات.